تين هاج - مبادئ الضغط العالي

الكاتب : لؤي ممدوح

استكمالا لمقال سابق تم من خلاله تحليل بعض الأنماط غير التقليدية لمرحلة بناء اللعب لفريق مانشستر يونايتد في موسمه الأول تحت قيادة الهولندي إريك تين هاج ( لمشاهدة المقال من هنا ) ، فمن المؤكد أن استعراض المبادئ والأفكار الأساسية لمرحلة الضغط العالي لذات الفريق يعتبر على نفس القدر من الأهمية.

فإذا نظرنا بعين الإعتبار لمرحلة بناء اللعب كمكون أساسي لفلسفة الغالبية العظمى من مدربي الأندية الأوروبية، كونها اللبنة الأولى ضمن مراحل حيازة الكرة وما لها من تأثير على قياس قدرة فريق ما على التقدم بالكرة وبناء هجوم منظم يصل لثلث الملعب الدفاعي لخصمه، يتضح لنا مدى أهمية مرحلة الضغط العالي المقابلة لها، والتي يسعى من خلالها ذلك الخصم إلى استرجاع الكرة أو – على الأقل – تقليل التهديد الناتج عن مرحلة بناء اللعب التي يقوم بها الفريق الأول.

تماما كمرحلة بناء اللعب، فقد أحدث قدوم تين هاج تحسنا نسبيا للفريق على مستوى عملية الضغط بشكل عام، وإن كان أيضا لم يصل للمستوى المأمول لفريق يسعى لخوض المنافسة الشرسة لاستعادة لقب الدوري الإنجليزي الممتاز، الغائب عن الأولد ترافورد منذ اعتزال السير أليكس فيرجسون التدريب.

فتوضح الإحصائيات أدناه – والتي يقدمها لكم موقعنا Football Talk بالشراكة مع منصة Soccerment الإحصائية – أن مانشستر يونايتد يعد وفقا للموسم الماضي من فرق الوسط بالنسبة لأندية الدوري الإنجليزي الممتاز فيما يتعلق بجودة الضغط.

فمثلا يحل اليونايتد ثامنا ضمن إحصائية (PPDA) – التي يتصدرها تشيلسي – وهي تعبر عن متوسط عدد التمريرات التي يقوم بها خصوم الفريق قبل أي تدخل دفاعي: اعتراض التمريرات، قطع مسار التمرير…الخ

كما يحتل الشياطين الحمر المركز التاسع ضمن أندية الدوري الإنجليزي الممتاز لإحصائية مقياس شدة الضغط العكسي ( GPI % )، والإحصائية التي يتصدرها الغريم ليفربول تعبر عن النسبة المئوية لعدد التدخلات الدفاعية التي يقوم بها الفريق في منتصف ملعب منافسه الدفاعي خلال ست ثوان من فقدانه لحيازة الكرة بالمقارنة بعدد مرات فقدانه للحيازة في أقرب 40% من مساحة الملعب بالنسبة لمرمى خصمه

أما الإحصائية الثالثة والأخيرة التي يتم استعراضها – والتي يتصدرها مجددا ليفربول – : ( BDP % ) والتي يصنف مانشستر يونايتد وفقا لها كسابع فرق الدوري الإنجليزي الممتاز من حيث الجودة، فهي ربما أفضل الإحصائيات تعبيرا عن مفهوم الضغط العالي؛ إذ يتم تقديرها كالتالي: يتم حساب نسبة دقة تمريرات فريق (أ) كمثال عندما يواجه فريق (ب) بالمقارنة بمتوسط نسبة دقة تمريرات الفريق (أ) بشكل عام في مواجهة جميع خصومه على مدار الموسم.

ثم يتم تكرار نفس العملية الحسابية لجميع الفرق التي تواجه الفريق (ب) وبالتالي يمكن تقدير المتوسط الحسابي لتأثيرعملية ضغط الفريق (ب) بشكل عام، وعملية الضغط العالي بشكل خاص إذ تستأثر غالبا مرحلة بناء اللعب للخصوم – المقابلة للضغط العالي للفريق – بنسبة معتبرة من إجمالي التمريرات.

وانتقالا إلى محاولة تحليل مبادئ وأفكار مرحلة الضغط العالي لمانشستر يونايتد تين هاج موسم 2022-2023 بمرجعية نفس المباريات الثلاث التي تم من خلالها – في مقال سابق – شرح وتفصيل بعض أنماط بناء اللعب، يتضح أن المدير الفني الهولندي دائما ما يتمسك ببعض رؤوس الأقلام الأساسية أثناء مرحلة الضغط العالي: الضغط الموجه رجل لرجل – منع التمرير والبناء نحو العمق وتوجيه بناء لعب الخصوم نحو أطراف الملعب – التفوق العددي في الخط الخلفي.

فيحاول تين هاج قدر المستطاع الالتزام بتلك المبادئ الثلاثة، وإن اضطر في بعض الحالات أو خلال مباريات كاملة للتضحية بالمبدأ الأخير – التفوق العددي في الخط الخلفي – لضمان استمرار نجاعة عملية الضغط العالي بشكل عام، وهو ما سيتم شرحه بالتفصيل خلال السطور التالية:

ضمن منافسات الدور الثاني للموسم الماضي من الدوري الإنجليزي الممتاز، و في مواجهة برنتفورد توماس فرانك الذي يعتمد رسم 3-5-2 – على الورق – لكنه في مرحلة البناء يقوم بتوسيع رقعة اللعب اعتمادا على تمركز قلب الدفاع الأيسر بن مي كظهير وصعود الجناح الخلفي ريكو هنري للأمام من أجل توفير كثافة أكبر للخط الأمامي وبالتالي تثبيت ديوجو دالوت، الظهير الأيمن لليونايتد ومنعه من الصعود للضغط.

هنا يستخدم تين هاج في مرحلة الضغط العالي الرسم 4-3-3 أو بالأحرى 4-1-2-3 فيقوم راشفورد بداية بالتمركز استعدادا للضغط طبقا لاتجاه تمرير الكرة بينما يتمركز الأجنحة أنتوني وسانشو بشكل متوسط يتيح لهم الضغط على أي من قلب الدفاع أو الظهير الأقرب لهما، أما برونو وسابيتزر فمكلفان برقابلة رجل لرجل لنورجارد ويانسن، وهما خيارات التمرير المتاحة لصعود برنتفورد بالكرة من العمق.

فمع تمرير الكرة لجانسون (18)، يقوم راشفورد بالركض المقوس للضغط عليه مع إغلاق خيار التمرير لقلب الدفاع الآخر بينوك عن طريق رقابة الظل، بينما يتقدم انتوني باتجاه الأخير لدعم تقنية توجيه البناء للجهة المقابلة ويستعد سانشو للاتجاه بالقرب من الطرف للضغط على الجناح الخلفي الأيمن راسموسن، ويتم الترحيل بشكل مماثل إذا تغير اتجاه البناء للجهة اليسرى لبرنتفورد.

وبتطبيق ذلك النمط، أصبح بينوك مجبرا على إرسال كرة طولية للأمام في ظل التفوق العددي لرباعي اليونايتد الدفاعي بمساندة كاسيميرو وبالتالي أصبح من السهل استرجاع الكرة.

وبالمثل، يتبع تين هاج نفس النمط السابق شرحه أمام توتنهام في مباراة لاحقة، في مواجهة نسق مشابه – إلى حد ما – لبناء اللعب، حيث يلاحظ تمركز كل من لنجليه وبيدرو بورو وبيرزيتش بالمقارنة بنظرائهم أثناء مباراة برنتفورد.

الإختلاف هنا هو نزول هاري كين – كعادته – للثلث الأوسط لتوفير خيار تمرير وخلق المساحة لكل من سون وريتشارليسون أمام دفاع يونايتد، هنا يتبعه كاسيميرو للضغط عليه تعزيزا لمبدأ رقابة الرجل لرجل لخيارات التمرير نحو العمق.

ومجددا يصبح لنجليه مجبرا على خيار التمريرة الطولية للأمام في مواجهة الزيادة العددية للخط الخلفي لفريق تين هاج.

يلاحظ من خلال تطبيق هذه المبادئ والأفكار أنها تضمن لمانشستر يونايتد حظوظا معتبرة من أجل استرجاع الكرة والتفوق على الخصم في مرحلة بناء اللعب، إلا أن حدوث قصور أو مجرد خطأ بسيط قد يؤدي لكسر ذلك الضغط بسهولة تامة، فمثلا أمام برنتفورد، تأخر سابيتزر في تطبيق الضغط على نورجارد الذي استطاع أن يغالط خصمه، أدى الى قدرته على استقبال الكرة وإيجاد زاوية التمرير إلى الحارس رايا بعيدا عن مجال رقابة ظل راشفورد، مما سهل عليه تغيير اتجاه اللعب والتمرير لبن مي، وذلك بشكل أسرع من قدرة لاعبي الخط الأمامي لليونايتد ومن ضمنهم الجناح أنتوني على الترحيل للضغط مرة أخرى.

وبالمثل في مواجهة توتنهام، فتأخر وان بيساكا عن ملاحقة الجناح الخلفي المتقدم إيفان بيرسيتش قد أدى إلى سهولة عمل مثلث تمرير بينه وبين هاري كين وريتشارليسون، وبالتالي تشكيل تهديد محتمل على دفاع يونايتد مع تردد كاسيميرو في التراجع لتغطية المساحة أو الاستمرار في ملاحقة هاري كين.

ومن الجدير بالذكر أيضا تناول أثر اعتماد منافسي تين هاج على حراس مرماهم بشكل رئيسي أثناء مرحلة بناء اللعب، فذلك – كما سبق ذكره في بداية المقال – من شأنه أن يجعل الهولندي مضطرا إلى التخلي عن فكرة التفوق العددي لخطه الخلفي ولو بشكل مؤقت.

فإشراك حارس المرمى كلاعب أساسي في مرحلة بناء اللعب، يتبعه غالبا تقدم قلبي الدفاع لخطوات قليلة للأمام وتمركزهما بشكل أكثر اتساعا واتاحة الفرصة لصعود الأظهرة للأمام ولو بشكل نسبي، وهو ما يصعب على المهاجم عملية توجيه البناء إلى أحد جهتي الملعب نظرا لاضطراره لتغطية مساحة رأسية وأفقية عن طريق رقابة الظل، – وهو أمر شبه مستحيل عمليا – بينما يصعب أيضا مهمة الجناح أثناء عملية ترحيل الضغط من الظهير إلى قلب الدفاع الأبعد عن اتجاه الكرة.

ولعلك – أخي القارئ – قد لاحظت هذه المعضلة أثناء تحليل الحالات السابقة الخاصة بمواجهة برنتفورد، الفريق الذي يعتبر حارسه الإسباني ديفيد رايا من المفاتيح الهامة لمرحلة بناء لعب فريقه، فإن لم يكن لها أثرا مباشرا في كسر ضغط اليونايتد يومئذ، إلا أن نمطا شبيها انتهجه أوناي إيمري خلال مواجهة الدور الثاني ضد اليونايتد قد أدى إلى إجراء تعديل على نمط الضغط العالي لتين هاج.

من الملاحظ أن نمط بناء أوناي إيمري المشروح أعلاه يؤدي إلى فراغ كبير بين راشفورد وبين سانشو المضطر لمتابعة الظهير الأيمن أشلي يونج المتمركز بشكل متقدم نسبيا، وهو ما يمنع تين هاج من تطبيق نمطه المعتاد ويجعل برونو فيرنانديز برونو فيرنانديز- الذي لعب كجناح أيمن خلال هذه المباراة – مضطرا إلى الاقتراب أكثر من قلب الدفاع مينجز مع محاولة الحفاظ على بقاء الظهير الأيسر مورينو في مجال رقابة الظل الخاصة به.

وبالتالي فأي تحرك رأسي – سواء للأمام أو حتى للخلف – يتيح لحامل الكرة خيار التمرير لمورينو، وهنا يتقدم ظهير اليونايتد المقابل (ديوجو دالوت) للضغط على الأخير ويبقى دفاع يونايتد في حالة تساو عددي في مواجهة الخط الأمامي للفيلانز، حيث تعتمد عملية استرجاع الكرة تماما على مدى استباقية الضغط لمدافعي الشياطين الحمرأومقدرتهم على الفوز بالصراعات الفردية.

في النهاية، فمن المؤكد أن بالإعتماد على رؤى العين – على أقل تقدير– أن منظومة الضغط العالي الخاصة بمانشستر يونايتد – شأنها كشأن مختلف مراحل اللعب – قد شهدت تحسنا ملحوظا خلال موسم الفريق الأول تحت قيادة إريك تين هاج، ولكن ما يأمله جمهور الشياطين الحمر ما زال يحتاج مزيدا من العمل والتطور، خصوصا مع توفر الوقت اللازم لذلك من خلال الفترة التحضيرية الجارية، او ربما عن طريق استقدام لاعب يمتلك القدرة على تحقيق الإضافة في هذا الصدد مثل ماسون ماونت.

إنتهى .

Football Talk (2)

أخبارنا

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى.

Copyright FBTALK 2024 | Developed by OaCode Technology