توتنهام 2-0 مانشستر يونايتد

الكاتب : لؤي ممدوح

فخ بيساكا ومعضلة فيكاريو

بعد فوز مستحق – رغم عديد السلبيات – على وولفرهامبتون بهدف نظيف حمل توقيع رافايل فاران، استهل به الشياطين الحمر موسم 2023-2024 من منافسات الدوري الإنجليزي الممتاز، لم يستطع الفريق مواصلة حصد نقاط مبارياته الكاملة بسقوطه بهدفين دون رد على ملعب توتنهام هوتسبير ستاديوم، في أول اختبار حقيقي لكتيبة إريك تين هاج أمام الأسترالي المتمرس أنجي بوستيكوجلو، أحد أهم المدربين الوافدين حديثا على منافسات الكرة الإنجليزية.

وبدون التقليل من فداحة الأخطاء الفردية للاعبي اليونايتد خلال مختلف مراحل اللعب – والتي كان بعضها سببا رئيسا لتسجيل بابي سار وبن ديفيز لهدفي أصحاب الأرض – ولكن الهدف الأكبر لهذا المقال هو تسليط الضوء على أهم مراحل اللعب التي شهدت تفوقا تكتيكيا واضحا لطرف من أطراف المواجهة على حساب الآخر، أو من ناحية أخرى تسببت في كشف قصور واضح للأخير؛ البناء والضغط العالي لليونايتد.

بدأ الفريقان المباراة بالرسم التكتيكي ذاته (4-2-3-1)، حيث قام بوستيكوجلو بإقحام عنصرين جديدين مقارنة بالتشكيل الأساسي لمباراة برنتفورد السابقة: بيدرو بورو في مركز الظهير الأيمن وبابي سار في مركز المحور على حساب ايمرسون رويال وأوليفر سكيب على الترتيب، بينما استقر تين هاج على الدفع بنفس عناصر تشكيلته الأساسية لمباراة الأسبوع الأول.

مرحلة البناء (مانشستر يونايتد)

اعتمد تين هاج في مرحلة البناء على التبديل بين رسمي (4-2-3-1) و (4-1-4-1) طبقا لتمركز ماونت، بينما قام منافسه بتطبيق الضغط العالي برسم أقرب إلى (4-1-3-2)، حيث يقوم كل من ريتشارليسون وماديسون برقابة قلبي دفاع اليونايتد تمهيدا للقيام بعملية الضغط عند استلام أي من منافسيهما الكرة، بينما يتمركز كولوسيفسكي ليتوسط لوك شو وماونت من أجل الحفاظ على الزيادة العددية للخط الخلفي لفريقه ضد لاعبي الخط الأمامي للشياطين الحمر.

أما سون فيتمركز على مسافة بعيدة نسبيا عن وان بيساكا، بشكل يتيح للأخير الوقت الكافي لاستلام الكرة، وهي الفكرة الأساسية التي ارتكز عليها النمط السائد لمرحلة الضغط العالي للسبيرز.

فغالبا ما يحاول ريتشارليسون القيام بالضغط المباشر على أونانا عند حيازته للكرة باستخدام تقنية الركض المقوس التي تتيح له إغلاق مسار التمرير نحو ليساندرو مارتينيز لإجبار الحارس الكاميروني على توجيه بناء الهجمة للجهة اليمنى لفريقه، حتى تصل الكرة بشكل مباشر أو غيره لوان بيساكا، حينها يندفع سون لتطبيق فخ الضغط على ظهير اليونايتد بينما يتحرك كولوسيفسكي لرقابة ماونت ويترك ريتشارليسون ليمنع خيار تغيير جهة اللعب نحو ليساندرو أو لوك شو.

وفي حال تمكن الخط الخلفي لليونايتد من بداية مرحلة البناء عبر الجهة اليسرى فإن لاعبو توتنهام يقومون بالترحيل العرضي بالتبعية، فيقوم سون بمنع خيارات التمرير للجهة المقابلة بينما ينتقل ماديسون وبابي سار وكولوسيفسكي للضغط على كاسيميرو وماونت ولوك شو على الترتيب.

توجيه بناء يونايتد ليبدأ عبر وان بيساكا سبب للفريق العديد من المشاكل، حيث أن الظهير الكونغولي لا يمتلك الجودة الكافية حال حيازته للكرة، فمثلا نلاحظ في الصورتين أدناه توفر الوقت الكافي لتغيير جهة اللعب بالتمرير القطري للوك شو – كلاعب حر حينها – بينما وان بيساكا يقوم بالتمرير لأنتوني في وضعية صعبة ليحاول الأخير استلام الكرة مواجها مرماه ومقيدا بكل من خط التماس والضغط الحاد من أودوجي ليفقد الجناح البرازيلي الكرة بسهولة في لقطة تكررت مرارا خلال المباراة ولربما جانبه أيضا الصواب في القرارات بشكل عام ليمرر للخيار الأسوأ والأصعب.

ومن الملحوظ من خلال الحالات السابقة أن أكبر مشكلات البناء الناجح لا تكمن فقط في نقص جودة وان بيساكا أثناء حيازة الكرة، فتوفر الوقت والمساحة وخيارات التمرير السهلة للزملاء كانت أمورا واضحة للعيان، فالمعضلة كانت في سوء التنفيذ والقرارات الخاطئة، ولربما يقع اللوم على تين هاج في عدم الاعتماد على بعض البدائل التي سبق له تنفيذها، مثل تقدم قلبي الدفاع أو أحدهما على الأقل لخلق خيار تمرير لأونانا وإعطائه الوقت والمساحة لبداية عملية البناء كالمقترح في الصورة أدناه.

مرحلة الضغط العالي (مانشستر يونايتد)

عادة ما يعتمد أنجي بوستيكوجلو على رسم أقرب ل(2-3-2-3) مع نزول أحد عنصري المحور المزدوج – هنا بيسوما – ليكون أقرب لقلبي الدفاع وصعود الآخر – هنا بابي سار– لتكوين الضلع الأمامي لمربع العمق بجوار ماديسون، بالإضافة لدخول الظهيرين للعمق بشكل مقلوب لإكمال الضلع الخلفي لنفس المربع وتوسيع الأجنحة للملعب لتثبيت أظهرة الخصم.

هذا الرسم يهدف بشكل عام إما لإشغال لاعبي عمق وسط الخصم في حالة التزام الأجنحة بالبقاء بالقرب من أطراف الملعب بهدف تحرير ماديسون بين الخطوط أو نزوله لإستلام الكرة دون رقابة على أسوأ تقدير، أو إيجاد اللاعب الحر على أطراف الملعب من خلال تحرك المحور المتقدم إلى هذه المناطق؛ الأمر الذي تكرر من خلال بابي سار في هذه المباراة أو عن طريق أوليفر سكيب في المباراة السابقة لها ضد برنتفورد.

وكعادة تين هاج في محاولة الحفاظ على الزيادة العددية لخطه الخلفي ضد عناصر الخطوط الأمامية لخصومه، كان الحل في استخدام التقنية المعروفة ب”البندول” ، وذلك بتبادل برونو فرنانديز وراشفورد الضغط على كل من قلب الدفاع حامل الكرة بالإضافة لبيسوما، وبالتالي نجح الهولندي في منع استلام سار أو ماديسون للكرة بحرية، من خلال ضغط رجل لرجل من قبل ماونت وكاسيميرو على الترتيب.

إذن متى كانت تظهر مشكلات الضغط العالي ليونايتد، والتي وضح من خلالها قدرة توتنهام على البناء الناجح؟

الإجابة عند الحارس فيكاريو، فعلى مدار أوقات متفرقة من المباراة – وهو أمر لم يكن مرتبطا بتسلسل زمني أو ما شابه – فإشراك الحارس الإيطالي لأصحاب الأرض بشكل مباشر في مرحلة البناء أظهر قصورا واضحا في منظومة ضغط الشياطين الحمر، لعله بدأ منذ اللحظات الأولى لانطلاق المباراة.

حيازة فيكاريو للكرة تؤدي إلى طرح الأسئلة بالنسبة لكل من راشفورد وبرونو عن اتجاه التمريرة القادمة وهو ما يعطي الوقت لكل من قلبي الدفاع عند استلام الكرة، وبالتالي أدى ذلك لتقدم جارناتشو استعدادا للضغط على روميرو بينما يقوم ماونت بالشيء نفسه ضد بيدرو بورو، وهو ما يعني غالبا تحرر بابي ساراذا قام بالتمركز في المساحات الخالية على الجهة اليسرى لفريقه.

أمر إضافي مؤثر ضمنته مشاركة فيكاريو في عملية البناء كان توسيع المسافة بين قلبي الدفاع، ومع اقتراب بيسوما دائما من قلب الدفاع حامل الكرة – فان دي فين في الصورة أدناه – أصبح من الصعب على راشفورد أو برونو مواصلة الضغط الناجح عند تحويل اتجاه اللعب مجددا للجهة المقابلة، وهو ما أدى لإضطرار جارناتشو للتقدم أكثر والضغط على فيكاريو مع محاولة إغلاق مسار التمرير نحو روميرو، وبالتبعية اضطر ماونت للتقدم أكثر للضغط بشكل مباشر على بيدرو بورو لاحظ في الصورة أدناه ماونت ينظر لتحرك بابي سار حرا دون رقابة نحو الجهة اليمنى لفريقه .

ما زاد الطين بلة هو تمكن بيسوما من مغالطة راشفورد وتحرير نفسه من الضغط للحظة مكنته من استلام تمريرة فيكاريو وإيجاد مسار مفتوح للتمرير لروميرو بعيدا عن مجال رقابة ظل جارناتشو باستخدام أسلوب الرجل الثالث، وبالتالي ماونت بدوره يضطر للضغط على روميرو بشكل مباشر ليتحرر بورو بالإضافة لظهور بابي سار أخيرا ويتمكن أصحاب الأرض من التقدم بتفوق عددي +1 ضد الخط الخلفي لليونايتد

والجدير بالذكر أن الحالة السابقة تكررت عديد المرات خلال المواجهة، فمثلا توضح الصورة أدناه حالة شبيهة بسابقتها بعد مضي ستة وثلاثين دقيقة على صافرة بداية المباراة.

ربما كان حل هذه المشكلة يتمثل في تقدم لوك شو للضغط على بابي سار ولكن غياب الزيادة العددية لعناصر الخط الخلفي هو أمرلا يندرج ضمن تفضيلات إريك تين هاج، لا سيما عند توسيع جناحي الخصم لرقعة الملعب لأقصى حد ممكن، بالإضافة إلى هامش المخاطرة الكبيرة الذي قد يسببه ترحيل الثلاثي المتبقي من عناصر دفاع اليونايتد وعزل جناح مثل الكوري سون هيون مين بما يمتلكه من سرعة وامكانية للتحرك خلف مجال تغطية خصومه، أضف إلى ذلك قدرته الفائقة على التهديف وإنهاء الهجمات أمام مرمى منافسيه.

الخلاصة أن يونايتد تين هاج مازال فريقا يعوزه مزيد من التمرس في مختلف مراحل اللعب، بالإضافة إلى حاجة الفريق الماسة لمزيد من الإنتدابات على مستوى العناصر الرئيسية أو من أجل توفير عمق أكبر لدكة الإحتياط والحاجة للتدوير، ولربما ينتظر أنصار الشياطين الحمر موسما آخر مليئا بحلول الوسط من أجل تجميع الحد الأقصى الممكن من النقاط فحسب، بغض النظر عن الوضعيات والأنماط المفضلة لمديرهم الفني.

إنتهى .

Football Talk (2)

أخبارنا

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى.

Copyright FBTALK 2024 | Developed by OaCode Technology