كرة القدم المضادة – Anti-Football

الكاتب : لؤي ممدوح

E:\Football\Analyst Work\Football talk\015 Anti Football\00.png

تعتبر الإثارة وحضور الجانب المهاري من أهم الأسباب التي ساعدت على اكساب كرة القدم الإنتشار الواسع والشعبية الجارفة على مستوى العالم، غير أن ذلك الإنتشار وما تبعه من تحويل هذه اللعبة الممتعة إلى صناعة تستثمر فيها مليارات الدولارات سنويا ربما قد ساهم – ولو بشكل تلقائي – في ظهور مبدأ كرة القدم المضادة، رغبة من جميع فرق اللعبة في تحقيق أقصى عائد ممكن من الأموال التي تم ضخها أو على الأقل الخروج بأقل الخسائر، خصوصا في حالة الفرق التي تفتقر إلى أغلب العوامل المتعددة لجودة اللعبة بشكل نسبي مقارنة بخصومهم.

فتعرف كرة القدم المضادة بأنها مبدأ يعطي الأولوية للأساليب الدفاعية الصرفة واستخدام الخشونة الممنوعة طبقا لقانون اللعبة في بعض الأحيان على حساب الأساليب الهجومية والجوانب الإبداعية للعبة، فغالبًا ما تتكتل الفرق التي تنتهج ذلك المبدأ خلف الكرة خلال أغلب فترات المباريات محاولة منع المنافس من التسجيل، بدلاً من المبادرة بمحاولة الفوز بالمواجهة، ناهيك عن الإعتماد على سبل إضاعة الوقت وارتكاب المخالفات بشكل متكرر.

وقبل استعراض بعض الأمثلة التي شهدت حضورا واضحا لهذا المبدأ خلال السنوات الأخيرة، فيعد تناول بعض التكتيكات والأساليب الخاصة بكرة القدم المضادة بالشرح والتوضيح أمرا مهما:

إضاعة الوقت: يشمل ذلك حيلا مثل التظاهر بالإصابة واستغراق وقت طويل في تنفيذ الركلات الحرة ورميات التماس وتعمد الوقوع في حالات التسلل.

ارتكاب المخالفات: يتضمن ذلك الخشونة المتعمدة وحالات التدخل من الخلف وسحب القمصان بل والتظاهر بالتعرض لمخالفات على الجانب الآخر.

التكتيكات السلبية: مثل التكتل خلف الكرة لفترات طويلة من المباراة والتمريرات الخلفية والجانبية بشكل مبالغ فيه دون سعي لفك تكتلات الخصوم أو استدراجهم للضغط من أجل إيجاد الثغرات بين الخطوط

التشكيلات ذات الطابع الدفاعي الصرف: يمكن أن يتضمن ذلك اختيار الدفع بتشكيلات يغلب على عناصرها التميز في السمات الدفاعية على حساب اللاعبين ذوي السمات الإبداعية أو المميزين خلال مراحل حيازة الكرة.

ومع شيوع ذلك المبدأ على مستوى معتبر خلال منافسات كرة القدم بشكل عام، اقتصر انتهاجه من قبل بعض الأندية والمنتخبات على مباريات بعينها، وهو أمرا قد يكون منطقيا في بعض الحالات، بينما امتد إعتماده لدى البعض الآخر إلى بطولات مجمعة أو مواسم كاملة؛ وفيما يلي بعض الأمثلة الواضحة على الحالة الثانية:

E:\Football\Analyst Work\Football talk\015 Anti Football\01.png

اليونان – بطولة الأمم الأوروبية 2004

كان حصول اليونان على لقب بطولة الأمم الأوروبية (يورو 2004) أحد أكثر الانتصارات إثارة للجدل في تاريخ البطولة، إذ أذهل اليونانيون – الذين لم يتخطوا مسبقا دور المجموعات لأي بطولة كبرى – العالم بفوزهم على البرتغال في المباراة النهائية.

ومع ذلك فإن انتصار اليونان لم يخل من هجوم المنتقدين، فقد اتهم الكثيرون اليونانيين بانتهاج مفهوم كرة القدم المضادة خلال جميع مواجهاتهم في تلك البطولة.

ربما كانت استراتيجيات المدير الفني الألماني لمنتخب اليونان أوتو ريهاجل صاحبة النصيب الأكبر في ذلك الإنجاز الكبير لأحفاد الإغريق، فقد غرس في فريقه الانضباط والرغبة في التضحية التي لم يرمثيلا لها من قبل أي فريق آخر في تلك البطولة، فقد كان لاعبو اليونان يدافعون بلا هوادة، وكانوا دائمًا على استعداد لوضع أجسادهم للتصدي لتسديدات المنافسين والقيام بالتدخلات.

اعتمدت تكتيكات ريهاجل على الصلابة الدفاعية والتضحية البدنية بدون الكرة، كما عززت عناصر خط الوسط باسيناس وزاجوراكيس وكاستورانيس أصحاب التميز في السمات الدفاعية وخلال مراحل حيازة الخصم للكرة من ترابط الفريق، كما ساعد انتهاج المدير الفني الألماني لأسلوب الدفاع رجل لرجل شبه الصرف – بينما كانت أغلب أندية ومنتخبات القارة العجوز تتجه لنظام دفاع المنطقة – على الصمود أمام كبار منافسيه مثل أسبانيا وفرنسا والبرتغال.

E:\Football\Analyst Work\Football talk\015 Anti Football\02.jpg

ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من كون أسلوب اللعب الهجومي لليونان محدودًا على المستوى الإبداعي، لكنهم كانوا شديدي الفعالية في الإستغلال الأمثل لمواقف وحالات من شأنها أن تضمن لهم التكافؤ بل وإمكانية التفوق، مثل الركلات الثابتة والتسديدات بعيدة المدى.

كانت تكتيكات كرة القدم المضادة للمنتخب اليوناني واضحة بشكل خاص في المباراة النهائية ضد البرتغال، فقد تكتل اليونانيون خلف الكرة في معظم فترات المباراة وسمحوا للبرتغال بالفوز بحيازة الكرة وفرض السيطرة على مجريات المباراة بالكامل ومع ذلك، كان مرمى الحارس اليوناني نيكوبوليديس هدفا مستحيلا على فيجو ورونالدو وروي كوستا ورفاقهم.

وفي النهاية استطاعت اليونان الفوز بهدف نظيف لأنجيلوس خاريستياس من ركلة ركنية كمثال ولا أوضح على إمكانية انتصاركرة القدم المضادة.

وعلى الرغم من الإنتقادات العديدة التي تم توجيهها لريهاجل ولاعبيه بزعم انتهاج أسلوب لعب ممل وغير قابل للمشاهدة، وصولا إلى خروج بعض التصريحات التي تتحدث عن أن فوز اليونان بالبطولة كان وصمة عارعلى اللعبة، لكن لاعبي اليونان ومدربهم قد دافعوا عن أحقيتهم في اللقب الأوروبي، كونهم استطاعوا الفوز بالبطولة بشكل عادل وقانوني مستعينين بالتركيز على استغلال نقاط قوتهم.

البرتغال – بطولة الأمم الأوروبية 2016

E:\Football\Analyst Work\Football talk\015 Anti Football\03.png

وعلى نحو مماثل – وإن كان أقل على مستوى الحدة – تم انتقاد فوز البرتغال ببطولة الأمم الأوروبية (يورو 2016) بسبب انتهاج المدير الفني فرناندو سانتوس نفس مبدأ كرة القدم المضادة، فقد اعتبر سانتوس – حتى وقتنا هذا – محسوبا على المدربين المحدودين خلال مراحل حيازة الكرة.

وعلى الرغم من امتلاك البرتغال لعدد مقبول من اللاعبين ذوي الجودة العالية على المستوى الهجومي مثل رونالدو وناني وريناتو سانشيز وأيضا كورايزما، فلم يكن الطريق للمباراة النهائية مفروشا بالورود؛ إذ لم يتمكنوا من بلوغ الدور ثمن النهائي إلا عن طريق أفضل أصحاب المركز الثالث في دور المجموعات، الذي أنهاه رفاق رونالدو بثلاثة تعادلات أمام أيسلندا والنمسا والمجر.

كما لم تكن مباريات الأدوارالإقصائية أكثر إقناعا لمناصري المنتخب البرتغالي من سابقاتها، إذ احتاج أبطال هذه النسخة من البطولة للوصول للوقت الإضافي للفوز بهدف نظيف على كرواتيا في الدور ثمن النهائي، ثم إلى ركلات الترجيح لإسقاط بولندا في الدور ربع النهائي، قبل أن يستطيعوا أخيرا حسم مواجهة الدور نصف النهائي أمام ويلز في الوقت الأصلي بهدفين نظيفين.

وبالوصول للمباراة النهائية كانت ملامح أسلوب البرتغال واضحة ضد فرنسا، حيث تكتلت البرتغال خلف الكرة في أغلب فترات خصوصا مع خروج رونالدو مصابا في منتصف الشوط الاول، قبل أن يستطيع البديل إيدي تسجيل الهدف الوحيد للمباراة خلال أولى دقائق الشوط الإضافي الثاني مهديا منتخب بلاده لقبه القاري الوحيد حتى حينه.

الخلاصة أن الإعتماد على مفهوم كرة القدم المضادة قد يكون مقبولا في إطار فوارق الجودة الكبيرة بين مختلف الفرق ولكن زيادة إنتهاجه خارج حدود ذلك النطاق ربما يكون أمرا مثيرا للقلق بالنسبة لمستقبل كرة القدم وجاذبيتها بالنسبة لجماهير الأجيال الناشئة على الأخص، مما يؤثربالسلب على شعبية اللعبة والإيرادات المتوقعة من خلالها، كونها في حد ذاتها صناعة وشكل من أشكال استثمار العديد من رؤوس الأموال.

وختاما، أترك لك أخي القارئ الحكم والتفاعل مع فريق الموقع بإبداء وجهة نظرك تأييدا أو معارضة لمبدأ كرة القدم المضادة بشكل عام، ولحالتي فوز اليونان ثم البرتغال بلقب نسختين من نفس البطولة القارية على وجه الخصوص.

إنتهى .

Football Talk (2)

أخبارنا

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى.

Copyright FBTALK 2024 | Developed by OaCode Technology