نهائي اسطنبول - مراحل العودة الأربع

الكاتب " محمد خالد

” ندمت أننا وصلنا للنهائي، فوزنا على اليوفي وتشيلسي لم يفدنا بشئ، وصلنا للنهائي لنجعل أنفسنا أضحوكة أمام الميلان، الحفاظ علي التأخر بنتيجة 3-0 و تجنب الخسارة بنتيجة أكبر، هو أفضل شيء يمكننا فعله، لكي نحافظ على ما تبقي من احترامِنا.”

جيمي كاراجر متحدثا في سيرته الذاتية عن مشاعره بعد إطلاق حكم المباراة صافرة نهاية الشوط الأول من نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2004-2005.

يحب الناس قصص العودة، ربما هي أكثر القصص شيوعا في الدراما، بطلٌ مهزوم، منكسر، خسر كل شيء، و بطريقة أو بأخرى، يعود البطل لينتصر، قصة ليفربول في ذلك اليوم لا تختلف كثيرا عن ذلك، ربما هي أكثرها ” كليشيه ” من أي قصة رياضية أخري، و ذلك بسبب شدة مثاليتُها.

أحب أن أُعرّف المراحل الأربع للعودة، ألا و هي: اليأس، خسارة كل شيء وفقدان الأمل، العامل المُحَفِّز، وأخيرًا، الإيمان.

الفصل الأول: اليأس

الخامس والعشرون من مايو عام 2005، نهائي الكأس الأوروبي أو ما يطلق عليه الآن دوري أبطال أوروبا، دخل ليفربول المباراة وهو النهائي السادس له، و النهائي الأول لهم منذ عشرون عاما، لم يحقق البطولة سوى أربع مرات فقط، وفي الجهة المقابلة، الميلان، في ثاني نهائي له في ثلاث أعوام، و النهائي العاشر لهم في تاريخهم، فاز الميلان بالبطولة حينذاك 6 مرات، ميلان كان المرشح الأبرز منذ بداية البطولة للفوز بها.

A football field with red circles and numbers Description automatically generated with low confidence

بدأ الميلان المباراة بتشكيلة 4-1-2-1-2 ” دياموند “، فرقة تضم 7-8 أساطير علي الأقل! حارس المرمى ديدا، و رباعي دفاعي، كافو و نيستا و ستام و مالديني، رباعي وسط ملعب مكون من بيرلو و جاتوزو و سييدورف و كاكا، و مهاجمين اثنين، كريسبو و شيفتشينكو

أما فريق ليفربول قد بدأ المباراة بتشكيلة 4-4-2، دوديك في حراسة المرمى، رباعي دفاعي مكون من تراوري، هييبيا، كاراجر، و فينان، جيرارد و ألونسو كإرتكازين، كيويل و ريزا كأجنحة، و مهاجمان اثنان لويس جارسيا و باروش.

الكفة منذ بداية المباراة تميل اتجاه الميلان، و خاصة بعد اصابة كيويل في الدقيقة 21 من الشوط الأول و نزول سميتزر للعب نفس دور كيويل.

A group of football players on a field Description automatically generated with medium confidence

بدأت مرحلة اليأس منذ الدقيقة الأول، عندما نجح الميلان في التسجيل من ضربة حرة، نفذها بيرلو، كان فريق ليفربول يدافع بخطين من المدافعين، الخط الأول الأقرب للحارس يتكون من 4 لاعبين، يدافعون بمنهجية دفاع المنطقة، أي يدافعون عن المساحة التي يغطوها

الخط الثاني يتكون من ثلاث لاعبين، يدافعون رجل ل رجل أمام 4 مهاجمين من الميلان كما هو موضح في الصورة، كان مالديني يتمركز خارج منطقة الجزاء، ونجح بيرلو في لعب كرة ذكية خادعة بين خط الدفاع الثاني لليفربول و لويس جارسيا، الذي كان عليه أن يراقب مالديني بشكل أفضل، لكنه تم خداعه، ونجح قائد الميلان، مالديني في تسجيل الهدف الأول.

A picture containing screenshot, green, diagram Description automatically generated

حاول ليفربول بناء اللعب عن طريق استخدام ارتكازيه، لكن لم يكن هذا البناء فعّال على الإطلاق، و ذلك بسبب أدوار لاعبي الميلان في الضغط، حيث كان كريسبو يضغط على كاراجر و فينان لغرض غلق زوايا التمرير

و كان شيفاتشينكو يضغط علي هييبيا و تراوري لنفس الغرض، سيدورف و كاكا كانوا يراقبون جيرارد و ألونسو على الترتيب رقابة رجل ل رجل، جاتوزو كان يساعد شيفتشينكو في الضغط كصمام أمان في حالة نجاح ليفربول في الخروج بالكرة.

A group of football players on a field Description automatically generated with low confidence

صورة توضح أدوار كريسبو، و كاكا وسييدورف، و صعوبة خروج ليفربول بالكرة.

A picture containing green, screenshot, diagram Description automatically generated

في محاولة من مدرب ليفربول بينيتز للخروج من ضغط الميلان، أعطى المدرب الأسباني تعليمات إلى لويس جارسيا بالإتجاه إلي أطراف الملعب و لعبه لدور مهاجم ثاني متحرك، له الحرية في أن يذهب إلي أي طرف لخلق زيادة عددية، كان بيرلو يتبعه حيثما ذهب

نجح هذا التغيير في خلق متنفَّس لفريق ليفربول، كما هو موضح في الصورة القادمة.

A group of football players on a field Description automatically generated with low confidence

مع ذهاب جارسيا لأطراف الملعب، وضع ذلك سييدورف أمام موقف صعب، الضغط على جيرارد و ترك بيرلو مع جارسيا و كيويل بمفرده؟ أم الرجوع إلى الخلف ومحاولة غلق زوايا التمرير لجارسيا؟ اختار سييدورف الإختيار الثاني مما أعطي لجيرارد حرية أكبر على الكرة، لكن ذلك لم يساعد ليفربول على تغيير نتيجة المباراة.

استمرت المباراة في الشوط الأول بإستحواذ سلبي لليفربول بدون أي خطورة على حارس مرمى الميلان، و كان سلاح الميلان في الشوط الأول هو الكرات الثابتة والكرات الطويلة والهجمات المرتدة، تكررت طريقة اللعب في الكرات الثابتة التي أدت إلى الهدف الأول للميلان كما هو موضح في الصورة القادمة.

A group of football players on a field Description automatically generated with medium confidence

في ضربة ركنية للميلان، كان ليفربول يدافع بنفس الطريقة تقريبا في الضربة الحرة التي أدت لهدف للميلان، بخط دفاع منطقة وخط اخر دفاع رجل لرجل

لعب بيرلو تمريرة مشابهة جدا للتمريرة في الهدف الأول، حيث ركض كريسبو من وراء جيرارد وقام بتسديد الكرة برأسه في اتجاه المرمى.

A group of people playing football Description automatically generated with low confidence

كاد أن يكون ذلك الهدف الثاني، لولا لويس جارسيا، حيث أنه أخرج الكرة من على خط المرمى.

سلاح الميلان الآخر كان الكرات الطويلة وراء المدافع الأيسر، تراوري، حيث أنه كان أسوأ لاعب في المباراة، و كاد أن يتسبب ب 3 أهداف بمفرده، و لذلك كان تركيز الميلان في الشوط الأول على لعب كرات طولية وراء تراوري كما هو واضح في الصور القادمة.

A picture containing grass, soccer-specific stadium, sport venue, artificial turf Description automatically generated

تمريرة طولية من بيرلو باتجاه شيفيتشينكو.

A group of football players on a field Description automatically generated with low confidence

تمريرة أخرى طبق الأصل اللقطة السابقة لكن كان منفذها هو سييدورف.

A group of football players on a field Description automatically generated with low confidence

بيرلو مرة أخرى اتجاه شيفيتشنكو.

كاد الميلان أن يسجل أكثر من هدف من هذه الكرات الطولية، لكن بسبب صلابة دفاع ليفربول المتمثلة في هييبيا، وأيضا بسبب سوء تعامل شيفاتشينكو و كريسبو مع الكرات الطولية المتقنة، لم ينجح الميلان في التسجيل من هذه الكرات، لكن نجح الميلان في تسجيل هدفين آخرين من هجمتين مرتدتين، مما أدى إلى انتهاء الفصل الأول بتمكُّن اليأس كليا من لاعبي ليفربول.

الفصل الثاني: خسارة كل شيء… و فقدان الأمل:

هذه المرحلة في العادة تكون أطول المراحل من حيث المدة الزمنية في الروايات والأعمال الدرامية، تكون هذه المرحلة هي مرحلة تعاطي المخدرات على سبيل المثال، كمحاولة لنسيان ما حدث، أو تكون فترة إكتئاب ينعزل فيها البطل عن كل شيء، تاركًا كل شيء خلفه، لكن هذه المرحلة كانت بضع دقائق بين شوطيّ المباراة.

” أثناء عودتي لغرفة تغيير الملابس بين شوطيّ المباراة، كان شعور الإكتئاب و الإهانة يخنقني، لم أستطع أن أرفع رأسي أو أن أنظر في وجه الجمهور، لم أكن أفكر في المباراة حينها، كنت أفكر في عائلتي و أصحابي، لقد خذلنا الجميع، أحلامي تحولت إلي تراب.”

يكمل كاراجر في سيرته الذاتية قائلًا:

” كانت جماهير ليفربول تملأ مدرجات ملعب أتاتورك عن آخره، كان الأمر أشبه و كأننا نلعب في الأنفيلد، كنت أشعر بالعار و الخزي من نفسي…”

سرعان ما انتهت هذه المرحلة لبداية الفصل الثالث.

الفصل الثالث: العامل المُحَفِّز.

في الكيمياء هناك شيء يُسمي بالعامل المُحَفِّز ” Catalyst“، هو عبارة عن مادة ما تقوم بتسريع العملية الكيميائية و تحسينها عن طريق تغيير بعض خصائص المكونات الأخرى مما يحسن من وظيفتها و يرفع من كفائتها.

” لن أنسي أبدا حديث ستيفن جيرارد معنا بين شوطي المباراة، نهض ستيفين جيرارد وطلب من طاقم التدريب أن يتركوا غرفة تغيير الملابس، لأنه أراد أن يكون بمفرده معنا، قال ستيفي لنا أن كل ما يملكه في حياته هو ليفربول، ليفربول هو ناديه، لا يعرف غير ليفربول، قال لنا أنه لا يريد أن يكون الأضحوكة في تاريخ دوري أبطال أوروبا، وأنّ إذا كنا نحترمه ونحبه كقائد للفريق، فيجب علينا بذل كل شيء في الشوط الثاني.”

كلمات اللاعب الفرنسي سيسيه في حديث صحفي.

بالرغم من نفي كاراجر بعد ذلك هذه الكلمات و أنه لا يتذكر أن جيرارد قد فعل ذلك، الأمر الذي لا شك فيه على الإطلاق هو أن ستيفن جيرارد كان –على الأقل في هذه المباراة– العامل المُحَفِّز لليفربول.

A green field with white circles and red dots Description automatically generated with medium confidence

مع دخول لاعبي ليفربول أرضية ملعب أتاتورك و سماعهم جمهور ليفربول يغنون ” لن تسير وحدك أبدا ” غيّر بينيتيز الشكل التكتيكي لليفربول كليا إلى 3-4-1-2 بإضافة لاعب لوسط الملعب لخلق زيادة عددية، و تحول ستيفن جيرارد كلاعب رقم “10” أو كصانع ألعاب، حيث أشرك بينيتيز اللاعب هامان كإرتكاز بجانب ألونسو بدلًا للظهير الأيمن فينان، ولعب سميتزر ورييزا كأجنحة.

A group of people playing football Description automatically generated with low confidence

مع تحوّل ستيفن جيرارد لصانع ألعاب، ومع وجود لويس جارسيا كمهاجم ثاني له حرية الحركة في المساحة بين خط وسط ليفربول و المهاجم باروش، ومع شدّ جناحي ليفربول لأطراف الملعب، زادت المساحة التي يجب أن يغطيها خط وسط الميلان مما أدى لخلق فوضى في المراقبة و في الدفاع الوقائي للاعبي الميلان.

A group of football players on a field Description automatically generated with medium confidence

أستغل الأسطورة ستيفن جيرارد هذه الفوضى في إعطاء ليفربول قبلة الحياة بتسجيل هدفه الأيقوني من عرضية متقنة من رييزا، بعدها بدقيقتين نجح سميتزر في تسجيل الهدف الثاني من تسديدة رائعة من خارج منطقة الجزاء.

A group of football players on a field Description automatically generated with low confidence

استغل جيرارد نفس المساحة التي استغلها في تسجيل هدفه الأول، الأمر الذي كان من المستحيل أن يحدث سوى بتحرك لويس جارسيا الذكي لسحب لاعبي الميلان معه لإعطاء جيرارد الوقت و المساحة الكافيين.

A group of people playing football Description automatically generated with medium confidence

مما أدى ذلك إلى فوز ستيفن جيرارد بركلة جزاء، التي نجح حارس الميلان للتصدي لها من شابي ألونسو لكن نجح ألونسو في تسجيل الكرة في الشباك بعد أن ارتدت من الحارس، وبذلك يتعادل ليفربول مع الميلان 3-3.

A group of football players on a field Description automatically generated with low confidence

لم يتوقف عطاء جيرارد لليفربول، حيث أنه نجح في تمرير الكرة بشكل استثنائي من نصف الملعب تقريبا اتجاه جارسيا ليضعه أمام المرمى، لكنه فشل في التحكم بالكرة، و فقدها.

الفصل الرابع: الإيمان!

آمن فريق ليفربول بحظوظه في الفوز بالمباراة بعد عبقرية بينيتز في تغيير اللعب و إلهام ستيفن جيرارد لهم، مما ساعد ذلك في رفع كفاءة جميع اللاعبين، ليصبحوا لاعبين آخرين لا نعرفهم!

أكبر وصف يمكننا أن نوصفه لمسيرة جيمي كاراجر هو كونها جيدة، لكن في هذه المباراة كان كاراجر استثنائيا، و منع العديد من الكرات بشكل لا يصدق في الشوط الثاني.

تصدي دوديك لهذه الكرة من شيفتشينكو في آخر دقيقتين من المباراة بشكل اعجازي هو نفسه لا يصدقه، دوديك هو حارس عادي، جيد ولكنه ليس استثنائيا، ولكنه بطريقة ما استطاع أن يبقي على حظوظ ليفربول في المباراة!

A group of football players on a field Description automatically generated with low confidence

قبل نهاية الشوط الثاني للمباراة بدقيقتين وبدأ الوقت الإضافي، أعطي بينيتيز تعليمات لستيفن جيرارد للتحول إلى مركز الظهير الأيمن، لمحاولة منع البديل سيرجينهو من خلق خطورة في الجانب الأيمن، و تحول شكل ليفربول إلى 5 في الدفاع بعودة ريزا للعب دور الظهير الأيسر، ليكون جيرارد قد لعب في 120 دقيقة في 3 مراكز مختلفة

ارتكاز، وصانع لعب، وظهير أيمن!

خسر سيرجينهو 4 ثنائيات من أصل 5 ضد ستيفين جيرارد، وليس من المبالغة أن نقول أن ذلك أفقد سيرجينهو الثقة في نفسه، مما ساهم ذلك في إضاعته لركلة الترجيح بعد الوقت الإضافي.

استقبال ثلاثة أهداف أمام أساطير الميلان في شوط، ثمّ العودة بثلاثة أهداف في 6 دقائق تقريبا، ثم المحافظة على النتيجة لقرابة ساعة أمام هذا الفريق، هو أمر خياليّ لن ينساه عشاق الريدز أبدا، المرور بكل مراحل الهزيمة و الإنكسار، ثم الفوز والمجد في رحلة مدتها أقل من ساعة ونصف؟ أمر يقشعر له الأبدان.

إنتهى .

Football Talk (2)

أخبارنا

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى.

Copyright FBTALK 2024 | Developed by OaCode Technology