اذا كنت متابعا لتصريحات المديرين الفنيين للأندية الأوروبية أو مؤتمراتهم الصحفية – والتي تسبق أو تعقب مبارياتهم – فأنت أغلب الظن قد تبادر إلى سمعك هذا المصطلح Rest Defense
أنت الآن أيضا تلاحظ اختلاف المعنى اذا قمت بترجمته حرفيا إلى العربية بالمقارنة بمرادفه المعبر عن معناه: الرقابة الوقائية، وهو الشيء نفسه الذي ربما شعر به شخص ما من مواطني الدول المتكلمة باللغة الانجليزية، وله نفس شغفك بكرة القدم..لماذا؟
السبب أن بداية تسمية المصطلح المعنون كانت ألمانية: Rest Verteidigung فالكلمة الثانية تعني الدفاع، أما الأولى فتحمل أكثر من مرادف باللغة الإنجليزية، وهنا يحدث اللبس للوهلة الأولى؛ فقد يتبادر لذهن المتابع ان المقصود هو حالة من السكون أو الراحة بكلمة Rest
بينما المقصود لفظا هو “المتبقي” ، فالترجمة الصحيحة هي الدفاع المتبقي.
وبالانتقال إلى تفسيرالرقابة الوقائية، فهي جزء لا يتجزأ من التركيبة الهجومية لفريق ما، وهي عادة ما تكون واضحة للعيان في حالة حيازة نفس الفريق للكرة في نصف ملعب المنافس وفي مواجهة دفاع منخفض للأخير.
فالمصطلح يعبر عن مدى مقدرة الفريق المستحوذ على الكرة – عند فقدانها – على مواجهة التحولات الهجومية لمنافسه.
سواء بدعم الضغط العكسي – أو أحيانا المشاركة فيه – لاستعادة الكرة مجددا بالقرب من مناطق فقدانها أو التراجع استعدادا للتمركز والانتشار الدفاعي المنظم.
وبالربط بين الرقابة الوقائية كونها الداعم لأنماط الفريق اثناء حالات الهجوم المنظم وبين رغبة مدربي الأندية والمنتخبات – خاصة الكبرى منها – في الحصول على اقصى استفادة من مرحلة حيازة الكرة في نصف ملعب الخصم، وذلك بدعم الخطوط الأمامية بالحد الأقصى الآمن من اللاعبين تظهر الحاجة الماسة لتطبيق أنماط مختلفة من الرقابة الوقائية، وذلك اعتمادا على تمركز لاعبي الخطوط الخلفية للفريق: أي قلوب الدفاع أو الظهير المقابل لاتجاه الكرة أو حتى ما يعرف بالأظهرة الداخلية، أو لاعبي الارتكاز. وربما شارك بعض هؤلاء اللاعبين أو كلهم – تبعا للرسم التكتيكي وفلسفة استحواذ الفريق – في هذه العملية.
ففي الصورة أعلاه، نلاحظ منتخب فرنسا يقوم بتطبيق الرقابة الوقائية برسم (2+2) بالاعتماد على قلبي الدفاع والظهير العكسي لاتجاه الكرة (كوندي) ولاعب الارتكاز (تشواميني)؛ وذلك لدعم الضغط العكسي، والذي يتحمل مسؤوليته زملاؤهم الأقرب للتمركز في الجهة اليسرى (منطقة فقدان الكرة).
والجدير بالذكر أن الكثير من أنماط الرقابة الوقائية يتمتع بالمرونة والقابلية لتبديل الرسم سواء في نفس المباراة أوحتى في لحظات التحول الدفاعي ذاته، فمثلا إذا اضطر منتخب فرنسا – بسبب فشل الضغط العكسي مثلا– للتراجع وإغلاق مناطق العمق استعدادا للتمركز الدفاعي المنظم فيتحول رسم الرقابة الوقائية إلى (1+3) بتراجع كوندي وأوباميكانو على يمين ويسار فاران ويتكفل تشواميني بالتغطية أمامهم.
والملاحظ دائما أن حماية مناطق العمق هي من أهم أهداف الرقابة الوقائية وذلك لاستحالة الانتشار اللحظي لتغطية أطراف الملعب بعدد محدود من اللاعبين؛ فالأولوية دائما تكون لحماية المسار المباشر لمرمى الفريق بحيث تكون المساحات المتروكة عمدا ومؤقتا بتغطية محدودة جدا هي الأقل خطرا والتي تأخد وقتا أطول لتشكيل تهديد مباشر عليه.
وهنا من المهم أن نوضح أن أنماط الرقابة الوقائية عديدة: فتتنوع مثلا بين (2+2) – (2+3) – (3+2) – (0+3) – (4+1) وغيرها، وكلما احتوى الشكل المنتهج على عدد أكبر من اللاعبين خصوصا في الخط الثاني، كلما توفرت الإمكانية لأحدهم للمشاركة بنفسه وبشكل مباشر في عملية الضغط العكسي، وقد يكون ذلك مقياسا مهما نستطيع أن نتعرف من خلاله على فلسفة المدير الفني ومدى رغبته في الاندفاع لاستعادة الكرة أو التحفظ الدفاعي في المقابل.
وفي هذا المقال لسنا بصدد التعرض لكل منها بالتفصيل لإن هذا يتطلب إفراد مقال مطول لكل نمط أو رسم لشرح كيفية تمركز اللاعبين أثناء حدوثه، وبيان مميزاته وعيوبه بل وحتى بعض الأساليب التي قد ينتهجها المنافس للتغلب عليه أثناء التحولات، وربما يكون هذا المقال بمثابة نقطة الإنطلاق لسلسة ممتدة للشرح التفصيلي لهذا المبدأ المهم في كرة القدم المعاصرة.
أما الهدف الرئيسي من هذا المقال، فهو التعريف بالمصطلح نفسه وبيان الهدف منه والغرض الذي تطور من أجله – وهو ماسبق توضيحه – بالإضافة لبعض المبادئ والتقنيات المستخدمة من خلاله كالتالي :
والجدير بالذكر أيضا أن بعض المدربين يتحملون مخاطرة أكبر- فيما يتعلق بكسر التسلل – وذلك برفع خط الدفاع الأخير أمام خط منتصف الملعب سعيا لنفس الأهداف السابق شرحها
وبالمثل، فاللاعب رقم 2 يستطيع غلق مسار التمرير في المساحة للاعب الخصم رقم 10 عند اندفاعه للأمام وتعطيل التحول الهجومي إلى أن يتمكن قلب الدفاع رقم 3 من التراجع والتمركز السليم لمواجهة لاعب الخصم رقم 10.
الخلاصة أن الاهتمام بتطوير مبدأ الرقابة الوقائية وخلق أنماط متعددة ومرنة منه لتناسب جميع التركيبات الهجومية هو مجرد جانب واحد من عشرات الجوانب التي تطالها التطورات والتعقيدات الطارئة باستمرار على كرة القدم بسبب حجم الأموال الطائلة المستثمرة فيها؛ وهو ما قد جعل الاهتمام بأدق التفاصيل أمرا ضروريا للحصول على أفضل النتائج، مما يتبعه جني أقصى ما يمكن من الأرباح للأطراف المتربعة على قمة هرم اللعبة.
إنتهى.
اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى.