السادسة صباح يوم السابع والعشرين من مايو عام 2015، داخل أحد أفخم فنادق مدينة زيوريخ السويسرية، طرقات على أبواب سبع غرف يشغل كل منها أحد كبار أعضاء الفيفا آنذاك، يتبع الطرقات صوت يطلب بشكل صارم من قاطني الغرف ارتداء ملابسهم والخروج مع رفع أيديهم للأعلى.
لعلك أخي القارئ قد رأيت هذه المقدمة قبل عدة أسابيع، نعم هكذا نعود لنسرد الجزء الثاني والأخير من تاريخ فساد منظومة الفيفا، والمرتبطة بشكل رئيسي بولاية سيب بلاتر التي استمرت منذ عام 1998 إلى عام 2015 ، والتي شهد العام الأخير منها إدانة السويسري بالإضافة إلى عديد مسئولي الإتحاد بشكل قاطع على خلفية عدد من القضايا والإتهامات، نستعرض أبرزها خلال هذا التقرير.
في النصف الثاني من عام 2015، بدأت وزارة العدل الأمريكية في فتح تحقيق مرتفع المستوى بخصوص مزاعم فساد متنوعة داخل أروقة الإتحاد الدولي لكرة القدم، وقد أسفر التحقيق عن توجيه الاتهام إلى إثني وأربعين من مسئولي المنظومة، وكان بلاتر في مقدمة لائحة المتهمين.
ومن الجدير بالذكر أن الاتهامات الموجهة لبلاتر كانت تتعلق بمجموعة متنوعة من الجرائم، كالرشوة والاحتيال وغسيل الأموال فضلا عن إدانته بالتستر على عمليات غير قانونية وثيقة الصلة بالفيفا بل وتسهيلها.
فبالحديث عن اتهامات الرشوة فقد خلصت التحقيقات إلى إدانة بلاتر بقبول رشاوي، سواء من قبل أفراد أو منظمات مقابل منحهم حقوق بث كبرى بطولات كرة القدم التي تنظمها مؤسسة الفيفا.
فعلى سبيل المثال، اتُهم بلاتر بقبول رشوة من شركة الإعلام الأرجنتينية Torneos y Competencias مقابل منحها حقوق بث مباريات كأس العالم لنسختي 2018 و 2022 في نطاق قارة أمريكا الجنوبية، كما أدين السويسري بالتهمة ذاتها بسبب الإتفاق مع شركة جلوبو البرازيلية مقابل حصولها على نفس الإمتياز لنسخة 2014.
ومن ناحية أخرى فقد توصل التحقيق إلى أن بلاتر وغيره من كبار مسؤولي الفيفا قد استغلوا مناصبهم للحصول على امتيازات مالية طائلة من شركة إنفرونت السويسرية مقابل حصول الشركة على عقود لتسويق وبيع حقوق البث التلفزيوني لعدة بطولات للفيفا
وبالإنتقال إلى اتهامات الاحتيال، فقد أدين بلاتر باختلاس مبالغ مالية تخص حسابات الفيفا البنكية واستخدامها لتحقيق مكاسب شخصية؛ فعلى سبيل المثال، فقد ثبت بشكل قاطع استغلال بلاتر لمخصصات الفيفا المالية لدفع تكلفة طائرة خاصة لنقله وعائلته إلى البرازيل، حيث أقيمت نسخة عام 2014 من كأس العالم لكرة القدم، كما امتد استغلاله لتلك المخصصات إلى دفع تكاليف الإقامة في أفخم فنادق المدن البرازيلية خلال البطولة.
ولم تتوقف اتهامات الإختلاس عما سبق ذكره فحسب، فقد تمت إدانة رئيس الفيفا السابق بشراء مجوهرات وملابس باهظة الثمن لنفسه وعائلته عن طريق استغلال المورد المالي نفسه، إذ تأكد على سبيل المثال أن بلاتر قام بشراء ساعة بقيمة عشرة آلاف دولار لنفسه بالإضافة لفستان بقيمة خمسة آلاف دولار لزوجته إعتمادا على مخصصات الإتحاد الدولي لكرة القدم المالية.
وأخيرا نختتم مسلسل اتهامات بلاتربقضايا غسيل الأموال، والتي كانت أشهرها قضية أديداس، فقد أدين الرئيس بسبب استخدامه لحساب بنكي خارجي لتبييض مبالغ مالية أودعت في أحد الحسابات المصرفية الخاصة بالفيفا على خلفية رشوة تم تلقيها من شركة الملابس الرياضية أديداس مقابل منحها حقوق الرعاية الرسمية لكأس العالم لكرة القدم.
وقد استندت الادعاءات إلى عدد من العوامل، من بينها علاقة بلاتر الوثيقة بالرئيس التنفيذي لشركة أديداس هربرت هاينر، بالإضافة إلى رسوم الرعاية المبالغ فيها – الموحية بشبهة الفساد – والتي قامت شركة أديداس بدفعها للفيفا.
كما توصل أيضا تحقيق وزارة العدل الأمريكية إلى أن بلاتر وغيره من كبار مسؤولي الفيفا قد استخدموا حسابات خارجية لإخفاء ثرواتهم والتهرب من دفع الضرائب.
والجدير بالذكر أن دفاع بلاتر قد قام بنفى جميع الاتهامات الموجهة إليه، بل وادعى أن التحقيق كان له دوافع سياسية، كما زعم السويسري أنه لم يكن على علم بأي نوع من العمليات غير القانوني التي كانت تدور في كواليس منظومة الفيفا، مؤكدا على ثقته بعدم انخراط موظفيه في أي نشاط مشبوه.
واستقال بلاتر من رئاسة الفيفا عام 2015 على خلفية تلك الإتهامات رغم نفيه القاطع لها وقد تم إيقافه عقب ذلك عن الترشح لأي منصب رسمي داخل المنظومة لمدة ثمان سنوات خفضت لاحقا إلى ست.
ورغم تبرئة إحدى المحاكم السويسرية لبلاتر من تهم الإحتيال عام 2022، ولكن الفضيحة التي هزت أركان الفيفا استمر تأثيرها على سمعة المنظمة لوقت طويل.
تولى جيفري ويب منصب رئيس اتحاد الكونكاكاف ونائب رئيس الفيفا في الفترة بين عامي 2012 و 2015، وكان ويب أحد الشخصيات الرئيسية في فضيحة فساد الفيفا التي نحن بصدد الحديث عنها؛ فقد خلص تحقيق وزارة العدل الأمريكية إلى أن ويب قد قبل ملايين الدولارات من الرشاوى والعمولات من عدة شركات مقابل منحها عقود تسويق ورعاية لبطولات الفيفا.
فعلى سبيل المثال، اتُهم ويب بقبول رشوة من شركة الملابس الرياضية نايكي مقابل منحها حقوق الرعاية الرسمية للبطولة القارية الخاصة بدول الكونكاكاف، والمعروفة بإسم الكأس الذهبية.
وقد تم إلقاء القبض على ويب في حادثة الفندق الشهيرة بزيورخ بتهم الرشوة والاحتيال وغسل الأموال قبل تسليمه إلى الولايات المتحدة حيث اعترف بتورطه في الإتهامات الموجهة إليه.
وفي عام 2017، حكم على نائب رئيس الفيفا بالسجن لمدة سبع سنوات بالإضافة لتحمله لغرامة قدرها مليون ونصف المليون دولار، مع مصادرة أصول له تقدر قيمتها ب 6.7 مليون دولار.
أما عن الأوروجوياني أوجينيو فيجيريدو، والذي كان يشغل منصب رئيس الإتحاد القاري لكرة القدم لدول أمريكا الجنوبية في الفترة بين عامي 2013 و 2015 ، فقد اعتبر مدانا عام 2016 في أربع تهم فساد، وذلك في إطارفضيحة الفيفا ذاتها.
اعترف فيجيريدو بتلقيه ما مجموعه مليون ونصف المليون دولار من شركتي تسويق رياضي، وهما Traffic Sports International و Full Play Group للحصول على حقوق رعاية وبث بطولة كوبا أميريكا داخل القارة اللاتينية.
وقد عوقب الأوروجوياني على خلفية إدانته في هذه القضاية بالسجن لمدة ثلاث سنوات كما تم تغريمه مبلغ مليون دولار.
تولى الفرنسي جيروم فالك منصب الأمين العام للفيفا بين عامي 2007 و 2015 ، وقد أعلن التحقيق الأمريكي إدانته بتهمتي الاحتيال وتزوير المستندات لإخفاء أنشطته غير القانونية.
فقد ثبت استخدامه لمخصصات مالية للفيفا لأغراض شخصية مثل استئجار طائرات خاصة للسفر إلى فرنسا والإقامة في أحد أفخم فنادق موناكو، كما قام باستخدام نفس المخصصات لتنظيم رحلات خاصة لأصدقاء شخصيين له.
وقد حكم أيضا على فالك في مارس الماضي من قبل المحكمة الجزائية الفيدرالية السويسرية بالسجن لمدة عامين بالإضافة لتغريمه مبلغ 1.6 مليون يورو. .
ختاما، فتعتبر فضيحة الفيفا بمثابة جرس إنذار حول مخاطر الفساد في الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، الأمر الذي يعظم من أهمية مبادئ الشفافية والمساءلة ضمن منظومات الإدارة الرياضية.
فقد كان لفضيحة الفيفا تأثير بالغ على سمعة المنظومة وكرة القدم العالمية، وهو ما أدى إلى استقالة بلاتر وغيره من كبار مسؤولي الفيفا بغض النظر عن ثبوت إدانتهم ضمن القضايا التي تم تناولها خلال هذا المقال، كون الإستقالات قد سبقت نهاية التحقيقات.
الجدير بالذكر أن هناك إصلاحات عديدة قد تم إقرارها من قبل الفيفا عقب الدوي الكبير التي أحدثته تلك التحقيقات، وذلك سعيا لمحاربة فساد المنظومة في المستقبل؛ ولكن من السابق لأوانه إقرار ما إذا كانت تلك الإصلاحات ستنجح في مسعاها.
إنتهى .
اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى.