ايفان فيرغسون - ضالة دي زيربي المنشودة ؟
الكاتب : لؤي ممدوح
لا شك أن فلسفة اللعب الخاصة ببرايتون دي زيربي – بالأخص في مراحل حيازة الكرة – تكون دائما في أشد الإحتياج لتوفر لاعب مهاجم بمواصفات “الرقم تسعة” في التشكيل الأساسي للفريق؛ مهاجم يجيد النزول في مراحل البناء والتدرج لاستلام الكرة تحت ضغط المنافس بهدف القيام بمهام “المحطة” أو ربط اللعب، ويتسم بالتحركات الذكية داخل أو خارج صندوق المنافس على السواء، والأهم أن يتميز بقدرته التهديفية العالية.
ومع تقدم العمر بالمهاجم الإنجليزي داني ويلبيك – البالغ إثنتي وثلاثين عاما – فقد أصبح من الضروري البحث عن مهاجم بديل من أجل المستقبل، وهو ما عثر عليه المدرب الإيطالي في الأيرلندي الشاب إيفان فيرجسون، الذي استطاع سحب البساط من ويلبيك خلال فترة وجيزة، ليضمن لنفسه موقعا أساسيا في تشكيل طيور النورس.
منذ انضمام فيرجسون إلى برايتون هوف ألبيون في شهر يناير من عام 2021 – قادما من نادي بوهيميانز الأيرلندي – لم يحظ سوى بمشاركات ودقائق قليلة سواء مع الفريق الأول من خلال منافسات كأس الإتحاد الإنجليزي أو كأس رابطة الأندية الإنجليزية، بل وكان الأمر ذاته متكررا خلال مشاركاته مع الفريق الرديف، إلى أن أمن له دي زيربي فرصته الكاملة كلاعب أساسي للفريق الأول أواخر عام 2022.
فبداية من أولى مشاركاته في منافسات الموسم الماضي من الدوري الإنجليزي الممتاز أمام ساوثامبتون شارك فيرجسون في تسع عشرة مباراة – عشرة منها كلاعب أساسي – من أصل أربعة وعشرين، واستطاع هز شباك منافسيه في ست مناسبات.
وبالنظر إلى التقرير الكشفي لفيرجسون ( حسب موقعfbref.com ) فالمهاجم الصاعد يحتل مكانا بين ال11% وال12% الأفضل على الترتيب في عدد الأهداف والأهداف المتوقعة – بدون احتساب ركلات الجزاء – مقارنة بمهاجمي الدوريات الخمسة الكبرى ومهاجمي الأندية المشاركة في كل من دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي خلال آخر 365 يوما، وهو ما ينم عن موهبة صاعدة بقوة إذا تم الأخذ بعين الإعتبار مقدار التطور المتوقع للاعب خلال المواسم القليلة القادمة.
وبدون التقليل من أهمية الأرقام والإحصائيات في تحليل الأداء الفردي للاعب ما، إلا أنها تظل عاملا مساعدا للعنصر الأهم، ألا وهو التقييم والتحليل بناء على المشاهدة؛ لذا فقد تم الإستناد إلى ثلاث مباريات شارك فيها فيرجسون ضد أستون فيلا وإيفرتون وأرسنال كمرجعية مناسبة للتقييم بالنسبة للمهارات الأساسية الهامة لمركز المهاجم.
{ الضغط }
يظهر وعي فيرجسون جليا بتقنيات الضغط على المنافس حامل الكرة أو بالمهام الموكلة إليه خلال مراحل الضغط العالي والمتوسط على حد سواء، فاللاعب دائم القيام بعمليات النظر والمسح لتمركز المنافس الذي يقوم بعملية رقابة الظل (Cover Shadowing) ضده لإغلاق مسار التمرير إليه من حامل الكرة، بل ويضع ذلك كأولوية على الإنجراف للضغط المباشر على ذلك الأخير.
كما تجده يتميز بقدرته على الضغط على حامل الكرة باستخدام الركض بمسار مقوس (Curled Run) لتوجيه الضغط ومجددا لإغلاق مسار التمرير للعمق نحو لاعب آخر من المنافس.
وعلى الرغم من تمتعه بحدة الضغط المباشر على حامل الكرة، مستفيدا من بنيته الجسدية القوية، إلا انه يحتاج إلى تجنب استخدام الخشونة الزائدة لتفادي ارتكاب المخالفات عديمة الفائدة أو الحصول على البطاقات الملونة.
{ التوقع }
على الرغم من تمتع الأيرلندي بحس تهديفي عال، إلا أنه يحتاج إلى مزيد من حس التوقع لمسارات الكرة غير المباشرة أو الإعتيادية داخل صندوق المنافس، أو أيضا التوقع لتمريرة محتملة من أحد الزملاء أثناء مراحل البناء والتدرج، لاسيما أن نزول المهاجم للدعم وطلب الكرة يعتبر من الركائز الرئيسية لفلسفة دي زيربي.
فيحتاج فيرجسون إلى تطوير التمركز السليم واتخاذ وضعية الجسد المناسبة للتحرك بأسرع ما يمكن داخل صندوق المنافس ومتابعة الكرات المرتدة من مدافعيه، أو الإستعداد لاستلام الكرة من الزملاء، ومجددا فلا شك أن تراكم الخبرات تعتبر عاملا رئيسيا للتحسن بصدد تلك المهارة.
{ التحرك لخلق المساحة للزملاء }
لا يفتقر فيرجسون لذكاء التحركات اللازم للمهاجم، فطالما يقوم – وبجودة عالية – بتحركات وهمية وبعيدة عن المناطق الفاعلة لتهديد المنافس، وذلك لسحب أحد مدافعيه وتفريغ مساحة خالية لزميل غير مراقب مما يسهم في زيادة فاعلية محاولة الهجوم لفريقه.
ولا شك في أن جودة المهاجم الصاعد الملحوظة في أداء هذه المهارة تزيد من أسهمه لدى مديره الفني، الذي يعتمد دائما على خلق مواقف واحد ضد واحد للجناح المتمركز قريبا من خط التماس أو أحيانا للظهير المنطلق من الخلف من خلال جمل تحركات الرجل الثالث وغيرها وهو ما يظهر فيه الدور الذي يقوم به فيرجسون بوضوح تام.
{ التحركات الهجومية وخداع المنافس }
مجددا يستفيد فيرجسون من تمتعه بالذكاء ولكن هذه المرة بخداع منافسيه لخلق مساحة لنفسه بهدف التوجه المباشر لمرمى الخصم، فمثلا يلاحظ تقدمه نحو وضعية التسلل لعلمه التام أن الكرة لن تصل إليه بشكل مباشر، – بل لأحد زملاءه – فيكتسب بذلك الأفضلية في التموقع داخل صندوق المنافس عند وصول أي عرضية محتملة باتجاهه.
وعلى ناحية أخرى فاللاعب يتمتع بتفوق كبير في تغيير اتجاه تحركه داخل صندوق الخصم سواء بالتحرك عرضيا للابتعاد عن رقيبه لخلق مساحة لنفسه لاستلام الكرة أو الركض والتحرك في النقاط العمياء للمنافس.
{ الصراعات الفردية }
يحتاج فيرجسون إلى التطور وربما الجرأة بالحديث عن هذه المهارة الهامة، فمن الملاحظ – وبالأخص أثناء التحولات الهجومية – تفضيله التمرير المبكر لأحد الزملاء المنطلقين للأمام على حمل الكرة والتقدم بها والدخول في مواجهات مباشرة ضد المنافس الأقرب له، وهو ما قد يكلف فريقه ضياع التهديد المحتمل من تلك التحولات.
وعلى الرغم من ذلك، فإن اللاعب بمقدوره التحسن بصورة ملحوظة في أداء هذه المهارة عن طريق تراكم الخبرات، العامل المؤثر إيجابيا على تحسين جودة القرار واكتساب الجرأة والأفضلية الذهنية.
{ اتخاذ القرارات }
رغم تفوق اللاعب في أداء العديد من المهارات اللازمة للمهاجم، فمجددا فمزيد من التجارب والخبرات المتراكمة ربما تكون كافية لإكسابه ما ينقصه من الاستمرارية في اتخاذ القرارات السليمة؛ فيما يتعلق مثلا باختيار التسديد أم التمرير لزميل يتمركز بوضعية أفضل بالنسبة للفريق أو حتى فيما يتعلق باتجاه استلامه للكرة والتقدم بها بعيدا عن الكثافة العددية لمدافعي المنافس.
{ اللمسة الأولى والتحكم بالكرة }
يعتبر افتقار فيرجسون للجودة في أداء هذه المهارة الهامة، واحدا من أخطر نقاط الضعف التي يجب عليه تحسينها بشكل ملحوظ، وهنا الحديث بالأخص عن استلامه للكرة في وضعية يواجه فيها ظهره مرمى المنافس ومدافعيه، ولا شك أن استلام المهاجم للكرة في هذه الوضعية قد يتطلب أحيانا أن يقوم بإبعاد الكرة عن جسده بمسافة محسوبة لتسهيل التحكم بالكرة وحمايتها بواسطة الجسد ضد التدخل الاستباقي المحتمل من مدافع المنافس، أو ربما لتيسير الدوران لمواجهة المرمى أو حتى القيام بتمريرة الجدار (Wall Pass) لزميل بهدف ربط اللعب.
ولكن من الملحوظ أن اللمسة الأولى للاعب في هذه الوضعية تعتبر أقوى من اللازم، وهو ما يتسبب في ابتعاد الكرة عنه ويزيد من احتمالية فشله في الاحتفاظ بها تحت حيازته.
{ الاحتفاظ بالكرة تحت الضغط }
أما إذا استطاع فيرجسون ترويض الكرة في نفس الوضعية، وعند مواجهته التدخل الاستباقي لمدافع الخصم من الخلف، فعلى الرغم من بنيته الجسمانية القوية التي من المفترض أن تساعده على التفوق في هذه الصراعات، إلا أن اللاعب يقوم بالإنحناء لأسفل في محاولة لخفض مستوى مركز ثقل جسده، وبالتالي تعزيز وضعية تثبيت قدميه على أرض الملعب وقدرته على حماية الكرة.
ولكن من الملاحظ أن المهاجم الأيرلندي يستمر مرتكزا على هذه الوضعية لوقت أطول من اللازم، مما يقلل من مقدار تحكمه بالكرة ويزيد من صعوبة تحركه وبالتالي يسهل على منافسه التدخل لاسترجاع الكرة.
{ ربط اللعب }
بالحديث عن هذه المهارة، فاللاعب الصاعد متميز حقا في أدائها بجودة منقطعة النظير، فمن الملاحظ تفوقه في القدرة على ربط اللعب باستخدام تقنيات مرتفعة المستوى مثل التمرير من اللمسة الأولى باستعمال العقب أو بالتمويه بالجسد وغيرها.
{ التسديد والإنهاء }
بالرغم من أن المقطع أدناه لا يحتوي إلا على لقطة واحدة قام فيرجسون من خلالها بهز شباك منافسيه، ولكن يتضح من خلالها مدى قدرته على إنهاء الهجمات حتى في أصعب الوضعيات التي تطلب تغيير الإتجاه والتسديد بدون ترويض الكرة بالقدم اليسرى (الضعيفة).
ومن اللقطات الأخرى في نفس المقطع، يلاحظ أن اللاعب يمتلك التقنيات اللازمة لأداء هذه المهارة، من حيث تنوع التسديدات من جهات مختلفة أو القوة والتوجيه اللازمة للتسديد.
{ استخدام القدم الضعيفة }
بمتابعة فيرجسون خلال أكثر من مباراة، وعلى الرغم من أن المقطع السابق احتوى على هدف رائع وصعب سجله اللاعب بقدمه اليسرى، إلا أنه يحتاج إلى مزيد من الجرأة في استخدامها وبشكل مستمر، فيلاحظ في المقطع التالي أن ترويض الكرة وتسديدها بالقدم اليسرى بدلا من اليمنى كان سيسهل كثيرا على المهاجم الواعد تحقيق التفوق في سباق السرعة ضد مدافع الخصم من خلال اختصار مسار التوجه المباشر للمرمى وفتح زاوية أسهل للتسديد على الترتيب.
{ الخلاصة }
في خلال فترة وجيزة لم تتجاوز النصف موسم إلا بقليل، استطاع فيرجسون فرض نفسه كموهبة شابة واعدة على التشكيل الأساسي لفريق دي زيربي القادم بقوة نحو كبار انجلترا، ولا عجب في ذلك فهو كما سبق تفصيله يمتلك العديد من المميزات والمهارات اللازمة لمركز المهاجم، وما يجعلك تشعر حقا بأننا أمام موهبة متفردة، هو أن الأغلب والأعم من نقاط ضعفه القليلة، أو المهارات التي تستلزم منه التطور بصددها قد تكون مجرد مسألة وقت وتراكم للخبرات لا أكثر، فهل تتوقع أخي القارئ أن نجد أنفسنا في خلال مواسم قليلة نشاهد منافسا شرسا لمهاجم مثل ايرلينج هالاند ؟
إنتهى .