برشلونة و أتليتيكو.. البناء في مواجهة الدمى المتحركة

كرة القدم في معظم جوانبها هي إسقاط معقد للحياة، ومبسط نسبة لتعقيدات الحياة وكم البساطة التي تحملها في آن واحد. قبل أيام قليلة كان دييغو سيميوني يزهو بانتصار على أحد أقوى العقول التكتيكية في أوروبا سيميوني إنزاغي، يرى البعض أن الأسماء المتواجدة في برشلونة لا تمتلك جودة كافية لإحراز الألقاب وأن تشافي المدرب ضعيف الفكر التدريبي والتكتيكي تحديداً، ربماً تبجيلاً لما يفعله بيب غوارديولا وزملاؤه من أنصار الأدوار المركبة والتي بالتأكيد لها أسبابها، لكن في قناعات أخرى فإن البساطة تربح باستمرار لقدرة اللاعبين على تنفيذها بسهولة أكبر من اللاوعي الخاص بهم مما يترك مجالاً للوعي ليبتكر ويتصرف في السياق الآني. ربما يمكن أن نطلق على تشافي أنه مدرب براغماتي ضمن قالب اللعب التموضعي، عندما تملك طريق النجاح بخطوتين فالسير به أولى من الالتفاف في المكان لجعل الصورة مريبة وقد تصبح عسيرة على اللاعبين، تشافي المدرب جميل وقوي ومنتصر بتلك البساطة.

على الرغم من الغيابات التي طالت الفريق منذ بداية الموسم إلا أن تشافي حاول مرة تلو الأخرى لتعويض الأسماء المفقودة بأسماء شابة أدت المطلوب منها تبعاً للعمر والخبرة المملوكة، باو كوبارسي و فيرمين لوبيز و فورت، جميعها أسماء بدأت المباراة وأدت المطلوب منها بشكل جيد تبعاً للخصم، ينقصهم أشياء للتعلم ومجال التطور لديهم كبير، بهذا وعلى الرغم من الإصابات التي أنهكت المدرب هذا الموسم إلا أنها جعلت الفريق يكسب ذخائر جديدة على المدى البعيد يمكن استثمارها وتحويلها لركائز مع الوقت دون ضغط زائد,

عودةً إلى معركة بناء اللعب بين تشافي واللوتشو سيميوني، الأخير رأى أن نظام الرجل لرجل بشكل شبه تام هو الأنسب لمنع الخصم من الاستفادة من جودة ما يملك من عناصر حيث اعتمد بشكل كبير وخطر على جودة قلوب الدفاع في الاستباق لوأد الوصول بين الخطوط، أما الأول قرأ خصمه مسبقاُ وهزمه نظرياً وعملياً في المجمل، في بعض الحالات خانت المدرب الإسباني سلوكيات لاعبيه ضمن سياقات عدة أبرزها كيفية استلام الكرة وحمايتها بين الخطوط من قبل ليفاندوفسكي وفيرمين المسؤولين عن تطوير الهجمة أو محاولة ضرب دفاعات الخصم بتمريرة واحدة.

نمط ضغط أتليتيكو مدريد وتوزع لاعبي برشلونة أثناء البناء:

تبعاً لنظام ضغط أتليتيكو مدريد، المواجهة كانت سباق للهروب من الرقابة بقيادة ليفا و فيرمين، تفريغ المساحة لهما كان يتم عن طريق روبيرتو وغوندوغان بسحب محاور الخصم ذات مرجعية رجل لرجل مع تواجد الأظهرة على إرتفاع قليل وواسع لإبعاد مسؤولي الضغط عليهم عن العمق قدر الإمكان مع تواجد الأجنحة بشكل مرتفع و متسع.

الوصول إلى ليفا وفيرمين في معظم الحالات كان يتم عن طريق الحارس تير شتيغن، إحدى التفاصيل المهمة والبسيطة كانت هي سحب غوندوغان وروبيرتو لكل من دي بول وباريوس على الجانبين مما يفتح مسار التمرير من شتيغن إلى ليفا بشكل مباشر.

يمكن أن نلاحظ كم التمرير العمودي الخاص بالحارس تير شتيغن وقلبي الدفاع كوبارسي و آراوخو والذي يوضح مسار عمل الفريق المباشر خلال مرحلة البناء:

هنا يمكن أن نرى سحب المحاور من قبل غوندوغان وروبيرتو وابتعادهما عن بعضهم البعض لفتح مسار التمرير من شتيغن نحو المساحة المبينة بشكل مباشر حيث يتواجد كل من ليفا و فيرمين، نرى بوضوح جاهزية كل من فيتسيل و رينيلدو للاستباق والضغط على مستقبل الكرة لمنعه من تطوير اللعب أو تأخيره على أقل تقدير.

ليفا يستلم التمريرة بشكل مباشر من الحارس تحت ضغط من فيتسيل

ليفا لا يتمكن من حماية الكرة تحت الضغط

محاولة جديدة مطابقة للسابقة:

وتكرار النهاية ذاتها بإرتكاب خطأ على ليفا:

في الشوط الثاني حاول سيميوني تقليل الوقت المتاح للحارس تير شتيغن على الكرة عن طريق زيادة الضغط على الخط الأول بضغط مباشر على قلبي الدفاع والانتقال بعدها للضغط بحركة مقوسة على الحارس لغلق كافة مسارات التمرير عليه وهو الشيء الذي تمكن خط برشلونة الأول من التفوق عليه نوعياُ بوعي شتيغن وقدرات المحاور على قراءة السياق بشكل ممتاز.

نلاحظ شكل ضغط أتليتيكو الجديد في الخط الأول، نلاحظ ضغط ديباي المباشر على آراوخو الذي يعيد الكرة إلى شتيغن بينما في الشوط الأول كان الضغط مبتعد بشكل شبه كامل عن الحارس.

يظهر هنا بوضوح أدوار دور ديباي المختلف عن دور موراتا في الشوط الأول حيث يضغط على شتيغن مع قطع مسار التمرير على آراوخو، هذا الضغط خلق مساحة أمام آراوخو للتقدم بعد استلام التمريرة من غوندوغان الذي سيجده شتيغن بكل سهولة بسبب تأخر كوكي في الضغط عليه، آراوخو تقدم بالكرة مع ثقل حركة ديباي في العودة إليه للضغط من جديد مما يجعله مرتاحاً للتمرير بين الخطوط نحو ليفاندوفسكي.

ليفا وعلى غير المعتاد يستلم بنجاح بالكعب ليربك حركة خصمه أثناء الضغط:

من المرات القليلة التي ينجح فيها ليفا في الاستلام وحماية الكرة، هنا لدينا حدثين مهمين هما إقتراب كوكي للضغط عليه مما يعطي غوندوغان المساحة للاستلام، والثاني أن قلب الدفاع الذي يقوم بالضغط على ليفاندوفسكي هو سافيتش وهذا يعني أن ارتفاعه بهذا الشكل في الملعب سيؤدي إلى تأخره أثناء العودة في حالة تطور اللعب بسرعة.

نتيجة لترويض الكرة وحمايتها بشكل صحيح يبدأ لدينا ظهور التأثر على منظومة أتليتيكو بخروج كوكي من قوقعة غوندوغان وتركه وحيداً ليضغط على ليفاندوفسكي الذي سيعيد الكرة إلى غوندوغان الذي في المعتاد لن يحتاج إلى كل هذه المساحة والوقت ليقرأ سياق اللعب ويقرر ما هو القرار الصائب حالياً لينفذه.

تبعاً لمكان الكرة وحسب نمط ضغط أتليتيكو مدريد فإن ظهيرهم الأيسر سيكون قد خرج مرتفعاً للضغط على كوندي فيتوجه غوندوغان ليمرر نحو كوندي خلف ظهر الخصم، لكن كوندي مازال في مكان غير مناسب ومتأخر للخصم من ناحية التمركز وإمكانية اللحاق به تبعاً للتسارع وفارق المسافة.

بعد قراءة الموقف من قبل غوندوغان يقرر أخذ كوكي في رحلة تمويه صغيرة لإعطاء كوندي الوقت للانطلاق ومباغتة خصمه في المساحة خلفه، مع إدراك أهمية قدرة غوندوغان على التمرير بالقدمين بشكل جيد وقراءته للمساحة المفتوحة أمامه والممنوحة من قبل كوكي نتيجة اندفاعه للضغط على ليفاندوفسكي.

جودة غوندوغان الفردية منحته الحرية وأعطت فريقه تفوق عددي ونوعي في الخط الأخير، يجب ملاحظة ديناميكية الفريق العالية و الوعي العالي للاعبين مثل فيرمين ولامين يامال بتعديل تمركزهم تبعاً لتمركز ليفاندوفسكي و كوندي الحالي و التزام فيليكس على أقصى الجناح الأيسر في حال احتاج الفريق لتغيير جهة اللعب نحوه للخروج من الضغط وحتى لتطوير اللعب عبره لصناعة فرصة عن طريقه.

نرى بوضوح تفوق برشلونة النوعي والعددي لاحقاً بقدوم ليفاندوفسكي على الطرف بينما يتصرف لامين يامال وفيرمين كمهاجمين، هنا لامين يقوم بسحب رينيلدو من تمركزه في خط دفاع العرضيات ليترك مولينا أمام فيرمين فيليكس من خلفه في وضعية 2 ضد واحد على القائم البعيد حيث فيتسيل يسأل عما هو أمامه فقط تبعاً لتمركزه الحالي.

التفوق داخل الصندوق لصالح فيرمين و فيليكس على مولينا والنتيجة هي رأسية من فيرمين في المرمى دون رقابة في هجمة نهايتها كانت نتيجة لتفوق نوعي من كل من غوندوغان و ليفاندوفسكي حيث نرى أن سافيتش لم يلحق بخط دفاعه حتى الآن رغم الوقت الذي احتاجته الهجمة للوصول إلى هنا.

طريقة أخرى استثمر بها برشلونة جودة لاعبيه تبعاُ لطريقة ضغط الخصم وهي صناعة فرص مباشرة من قبل تير شتيغن إلى أحد المهاجمين خلف خط الدفاع المتقدم للاستباق، هنا نرى ليفا يستقل بطء سافيتش حيث يوهمه بالنزول للاستلام لإخلاء المساحة خلفه والانطلاق نحوها مستثمراُ جودة الحارس في التمرير وفارق السرعة والبديهة بينه وبين سافيتش.

السباق بين ليفاندوفسكي وسافيتش يبدأ وتمريرة دقيقة تخرج من قدم تير شتيغنِ.

التمريرة تصل للمكان المطلوب وانفراد مباشر للمهاجم البولندي ولكن الإنهاء لم يكن بالشكل المطلوب، الأهم هو خطورة قدرة الفريق على صناعة مثل هذه الفرص.

مرة أخرى تمريرة مباشرة من تير شتيغن خلف دفاعات الخصم والهدف هنا هو فيرمين لوبيز في مواجهة رينيلدو التي تختلف عن مواجهة سافيتش من ناحية السرعة والتوازن ليتمكن المدافع من كسب الثنائية و وأد فرصة مباشرة جديدة خارجة من قدم تير شتيغن.

الملخص:

برشلونة قدم مباراة ممتازة في مرحلة بناء اللعب خرق بها نظام دفاع الخصم مرات عديدة وبأشكال مختلفة مبنية على ما يملكه لاعبوه من خصائص وجودة مع استغلال لثغرات هيكل الخصم، النتيجة عكست ما حصل فعلياً على أرض الملعب، الفريق الكتالوني يمتلك لاعبين ذو خبرة وجودة عالية أمثال ليفاندوفسكي وغوندوغان وتير شتيغن، وشباب يحتاجوه إلى التطور مثل فيرمين وكوبارسي ولامين يامال، غياب لاعبين أمثال بيدري وغافي صنع فارق في عدة أماكن، تواجد بيدري في هذا الهيكل الديناميكي للفريق سيرفع من جودة المجموعة ككل ولا استغراب لو وصل الفريق بعيداً في أوروبا.