جوتا - الجناح الطائر للنمور ؟

جوتا - الجناح الطائر للنمور ؟

الكاتب : لؤي ممدوح

تحليل أداء فردي – جواو فيليبي (جوتا)

مع إطلاق المملكة العربية السعودية – في الآونة الأخيرة – ضربة البداية لتنفيذ مشروعها الإقتصادي والرياضي في آن واحد، والقائم على ضخ استثمارات ضخمة بهدف مضاعفة القيمة المالية للدوري الممتاز (دوري روشن) وسعياً لأحتلال مقعد دائم ضمن الدوريات العشرة الكبرى على مستوى العالم، استطاعت المملكة اجتذاب عدد معتبر من نجوم ” الصف الأول ” لكرة القدم الأوروبية في السنوات الأخيرة.

قد لا تكون هذه التجربة هي الأولى من نوعها خاصة بعد أن شارفت مسيرة هؤلاء النجوم على دخول فصولها الأخيرة، ولكن ما يميز هذا المشروع عما سبقه لا يقتصر فقط على كم الصفقات الرنانة التي تم إبرامها، بل القدرة أيضا على اجتذاب عدد من اللاعبين الواعدين الأصغر سناً من مختلف الدوريات.

وجواو فيليبي (جوتا) أحد هولاء.

تدرج الجناح البرتغالي ذو الأربعة وعشرين ربيعا ضمن المراحل السنية لأكاديمية بنفيكا ذائعة الصيت ضمن مثيلاتها في القارة الأوروبية العجوز، حتى استطاع الحصول على فرصته الأولى بمشاركات محدودة ضمن الفريق الأول للنادي تحت قيادة المدير الفني برونو لاج موسم 2018-2019 ثم الذي يليه.

وبعد إعارة لم تؤت بثمارها بشكل ملحوظ – بالنسبة للاعب – إلى بلد الوليد موسم 2020-2021، كررت إدارة النادي البرتغالي التجربة نفسها في الموسم التالي بإرسال الجناح الصاعد للعملاق الإسكتلندي سلتيك، ليبدأ جوتا في التوهج والمشاركة بشكل أساسي ودائم منذ بداية الموسم، تحت قيادة الأسترالي أنجي بوستيكوجلو، المدير الفني الحالي لتوتنهام هوتسبير.

وبمساهمة اللاعب الفاعلة في فوز الفريق بلقبي الدوري الإسكتلندي وكأس الرابطة، قامت إدارة سلتيك بشراء عقد جوتا من نادي بنفيكا مقابل 16 مليون يورو قبل بداية الموسم الماضي، ليكرر اللاعب المساهمة في نفس إنجاز موسمه الأول بالإضافة للفوز بكأس اسكتلندا وبإجمالي سبع وعشرين مساهمة تهديفية في جميع البطولات بين تهديف وصناعة لينتقل مؤخرا لنادي الإتحاد السعودي مقابل 29 مليون يورو.

ونظراً لأهمية ذلك التعاقد لجماهير النمور بشكل خاص ولمتابعي الكرة السعودية بشكل عام، فكان من المهم تقييم اللاعب بناء على تحليل أدائه الفردي، وذلك بالإستناد إلى ثلاث مباريات ضمن الموسم الماضي شارك فيها جوتا أمام ريال مدريد وشختار في دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا، بالإضافة إلى إحدى مواجهات بطولة الدوري الإسكتلندي أمام رينجرز، كمرجعية مناسبة لشرح وتفصيل نقاط قوته وضعفه وتسليط الضوء على السمات المميزة له.

القدرة على اللعب بالقدمين وعلى جهتي الملعب

يمتاز جوتا بالقدرة الفائقة على اللعب بكلتا قدميه وهو ما سيتضح جليا من خلال مختلف مقاطع الفيديو المرفقة بهذا المقال، فليس من السهل تحديد أي من قدميه هي الأضعف، وهو ما يكسب لاعب مركز الجناح بشكل عام ميزة إضافية ضد رقيبه من الفريق المنافس؛ إذ يصعب على الأخير توقع اتجاه حركة خصمه القادمة وبالتالي الإستعداد لمواجهته بوضعية جسدية مناسبة أو توجيه تقدمه إلى الجهة المطلوبة.

وبفضل امتلاك جوتا لهذه المهارة، أصبح من الممكن لمدربيه توظيفه للمشاركة كجناح أيمن أو جناح أيسر على حد سواء، وتتضح في الصورة أدناه الخريطة الحرارية للاعب ضمن منافسات الدوري الإسكتلندي لموسمي 2021-2022 و 2022-2023 (المصدر: Sofascore.com)

التقدم بالكرة والتحكم بها

يعتمد جوتا دائماً على حمل الكرة للأمام بخطوات قصيرة وسريعة وركلها بالتبادل بين باطن القدم ووجهها الخارجي، فيضمن بذلك التحكم التام بالكرة بين قدميه، مما يساهم غالبا في تراجع منافسه باتجاه مرماه وتأجيل محاولة استرجاع الكرة بسبب صعوبة تحديد الوقت المناسب للتدخل ضده.

المراوغة والتمويه

بفضل تحكمه الكامل بالكرة بين قدميه بالإضافة لمرونته الحركية، يمتلك جوتا ما يكفي من الجودة لأداء مهارة المراوغة والتمويه ضد خصومه وذلك بالتنويع بين التمويه بالجسد أو تغيير اتجاه حركته بسهولة كبيرة أو تناقل الكرة بسرعة فائقة بين قدميه مما يمكنه من التغلب على منافسه الذي دائما ما يقع فريسة لحالة عدم الاتزان الجسدي في مواقف ال (1 ضد 1) أو حتى مهاجمة خصومه في حالة تفوقهم العددي، وهو ما يدل أيضا على السمات الشخصية للاعب وثقته الكبيرة في قدراته.

التحرك بدون الكرة ومهاجمة المساحة في الصندوق

على الرغم من تمتع جوتا بسرعة كبيرة في الركض بدون الكرة، إلا أنه يحتاج إلى العمل على تحسين توقيت مهاجمته للمساحة داخل صندوق المنافس، بالأخص في حالات التحرك باتجاه القائم البعيد والنقاط العمياء لظهير الخصم المقابل (Out to in runs) ؛ إذ إنه غالباً ما يصل متأخراً عن الوقت الذي يمكنه من متابعة الكرات العرضية المرسلة من زملاءه.

الكرات العرضية

بفضل امتلاك الجناح البرتغالي مهارة اللعب بكلتا القدمين، فإن ذلك يمنحه القدرة على التنوع في إرسال الكرات العرضية المقوسة للداخل أو للخارج ومن مسافات متعددة بالنسبة لمرمى الخصم.

وعلى الرغم من تقنيته العالية في إرسال العرضيات ومن وضعيات صعبة كوضعية الحركة تحت ضغط المنافس إلا إنه يحتاج لمزيد من العمل على ضبط القوة اللازمة لضمان وصول الكرة للزميل المطلوب.

الإبداع وخلق الفرص

يمتلك جوتا الحضور الذهني الدائم والذكاء الكروي الكافي بالأخص في الثلث الهجومي لفريقه لخلق حلول غير تقليدية لكثير من المواقف الصعبة، وهو ما يساعد الفريق على الوصول لمرمى المنافس بأقصر واسرع الوسائل الممكنة وتشكيل تهديد حقيقي أحيانا من “كرات ميتة“

التسديد والإنهاء

يعتبر التسديد والإنهاء من نقاط الضعف الواضحة التي يجب على جوتا العمل على تحسينها، سواء على مستوى التوجيه اللازم للكرة لإحدى زوايا المرمى البعيدة عن حارس الفريق المنافس أو حتى على مستوى القوة اللازمة للتسديد؛ وعلى الرغم من ذلك فإن أحد الأمور الإيجابية في هذا الصدد أن اللاعب يتخذ قرار التسديد بمعدل مقبول جدا، وهو ما يدل على النزعة الإيجابية لتهديد الخصم وبالتالي يختصر شوطا كبيرا من عملية التطور في أداء هذه المهارة.

القرارات

كما تمت الإشارة مسبقاً أن جوتا يتمتع بقدر كبير من الثقة في قدراته التقنية مما يؤدي أحياناً إلى نتائج عكسية، فمن الملحوظ عند مشاهدة المقاطع أدناه أن قرارات اللاعب تتأثر بشكل سلبي بسبب مبالغته في تقدير هذه القدرات، وهو ما قد أحيانا يصل إلى حد الإستهتار عند أداء بعض المهارات كاستلام الكرة أو التمرير بجودة سيئة أو بوضع زميله في وضعية كثافة عددية للمنافس أو حتى المبالغة في المراوغة.

الضغط والضغط العكسي

بالإنتقال إلى السمات والمهارات الخاصة باللاعب في مراحل حيازة المنافس للكرة، يلاحظ جودته الكبيرة على تطبيق الضغط العكسي بالسرعة والحدة اللازمتين، كما يلاحظ أيضا تمتعه بالوعي التكتيكي لدوره في منظومة الضغط العالي الخاصة بمدربه السابق أنجي بوستيكوجلو، فهو يقوم بتوجيه المنافس نحو البناء على أطراف الملعب باستخدام الركض المقوس مع القيام برقابة الظل لأقرب خيار تمرير باتجاه عمق الملعب.

التمركز الدفاعي

يعتبر التمركز الدفاعي من أخطر نقاط ضعف جوتا وبالأخص في مراحل التكتل المنخفض لفريقه، إذ يتضح من المقطع أدناه افتقاره إلى أبجديات الرقابة والتمركز والحضور الذهني لمساندة الظهير، وهو ما يتسبب في سهولة تحرك الجناح أو الظهير المقابل من الفريق المنافس في المساحات التي يتركها خلفه

الخلاصة أن جوتا يعتبر لاعباً تقنياً من الدرجة الأولى فقدرته على أداء أغلب المهارات المطلوبة لمركز الجناح تعطينا انطباعا مبدأياً حول استطاعته صنع الفارق للنمور، ولكنه ما زال يحتاج إلى المزيد من العمل من الجهاز الفني لمواطنه نونو سانتو سواء لتطوير نقاط ضعفه سواء التقنية أو الذهنية، ولكن ما يبعث التفاؤل على جمهور الإتحاد أن عمر اللاعب يؤشر على وجود مجال ومتسع من الوقت لمزيد من التحسن، وهو ما تسمح به أيضا المرحلة الإنتقالية التي تمر بها الكرة السعودية بين الريادة على مستوى الدوريات العربية وبين المنافسة بشكل جدي للتفوق على بعض الدوريات الأوروبية.

إنتهى .