قصة إنريكي وتشافي.. الثأر بمرجعيات هجينة
مباراة كرة القدم هي حكاية و سياق، يحاول كثيرون تجريدها من ذلك وتحويلها إلى أفكار مجردة، لو تعمقنا في حقيقة أنه لا يوجد ما هو أجمل من ربط التكتيك و معاركه بالقصة و الرواية التي تحدث بين المدربين، في مباراة الذهاب كان التفوق جلياً لفريق تشافي هيرنانديز على حساب لويس إنريكي، فما كان على الاخير إلا التحضير لأخذ الثأر بطريقة لا يتمكن بها خصمه من الرد عليه و هو ما حدث، ثم يأتي السياق ويخدمه ببطاقة حمراء أقصت برشلونة من المنافسة وأخرجته من المباراة دون إعطائه فرصة للرد في ذروة العجز رغم أن النتيجة كانت تشير إلى غير ذلك.
قصتنا اليوم سنرويها على مراحل، ما قبل الطرد و بعده لأن الملعب لم يعد هو ذاته منذ ذلك الحين، إنريكي تسيد وتشافي عجز، كيف بدأت واكتملت الرواية؟ هكذا سنبدأ رحلتنا الأوروبية الممتعة لهذا اليوم.
لفصل الأول: ما قبل الطرد
في بداية المباراة كان برشلونة مستحوذاً على الكرة، أما خصمه فكان مستحوذاً على المساحة. إنريكي الذي شرب الكأس ذاته حاله حال الخصوم الأخرين في الأشهر السابقة في مباراة الذهاب، حضر جيداً وسيطر على رقعة الشطرنج مغلقاً الأبواب أمام نقاط قوة الخصم في بناء اللعب وأبرزها كان التمريرات المباشرة من باو كوبارسي نحو ليفاندوفسكي متجاوزاً ومتلاعباً بضغط الخصوم ذو مرجعية رجل لرجل المطلقة في السابق، فما كان منه إلا أن ينشئ نظاماً هجيناً يعزل به كوبارسي و يقلل من وقت تير شتيغن على الكرة مع وضعية 2 ضد 1 في الخلف على ليفاندوفسكي مما سهل قمعه وحمى العمق من انطلاقات الاجنحة، رافينيا ولامين يامال.
كما تظهر لنا الصورة فإن نظام لويس إنريكي كان يحتوي على ستة لاعبين بمرجعية رجل لرجل بينما كانت مهمة مبابي هي الركض المقوس تجاه شتيغن قاطعاً مسار التمرير على باو كوبارسي، أما باركولا فهو منشئ مصيدة الضغط حيث يتمركز أمام كوندي قاطعاً مسار التمرير الأرضي بينه وبين آراوخو وأيضاً مغرياً للحارس أن يمرر خلفه في المساحة، متى ما استلم كوندي الكرة يعود باركولا للضغط عليه قاطعاً طريق العودة نحو آراوخو مجبراً خصمه على التمرير لزميل مراقب بمرجعية رجل لرجل كما هو مبين. هذه المصيدة تحتوي على عوامل ضعف الخصم منها قدرات آراوخو و كوندي تحت الضغط، وعزل من هم جيدون في ذلك مثل كوبارسي ولاعبي الوسط.
في هذه الحالة نرى ما شرحناه مسبقاً بوضوح، ضغط مبابي المقوس لمنع الوصول نحو كوبارسي وإرسال شتيغن للكرة نحو الفخ المراد من قبل الخصم خلف باركولا ونحو كوندي مع أهمية ملاحظة توزع مراقبة الرجل لرجل في وسط الملعب وعلى الظهير الأيمن والأجنحة.
كوندي يستلم الكرة محاصراً من قبل باركولا وخط التماس، لا خيارات تمرير حرة كما نرى جاهزية نونو مينديز في الضغط على لامين يامال صاحب الاحتمال الاكبر لاستلام الكرة كون ضغط باركولا كان يهدف لقفل مسارات العمق، تمركز مبابي قرب آراوخو مهم لعزل كوندي عن أي خيار حتى الخلفي منه.
لامين يستلم التمريرة تحت ضغط نونو ويخسر الكرة تحت حصار كامل من لاعبي باريس بعد فشله في حماية الكرة لوقت كافي نظراً لانعدام الحلول لديه.
حالة أخرى حاول فيها شتيغن مباغتة مبابي أولاً وإعطاء نفسه الوقت ثانياً على الكرة لعله يجد الحل لفريقه للخروج بالكرة.
كوبارسي محاصر دون أي حلول كما هو مبين ويعود نحو شتيغن الذي طلبها ليستفيد من بعد مبابي.
تكرار السيناريو ذاته مرة أخرى...
تمريرة سيئة من شتيغن إلى خارج الملعب.
إحدى المحاولات النادرة من شتيغن للوصول خلف خطي الضغط الأولين نحو ليفاندوفسكي.
كرة غير دقيقة تعود للخصم بسهولة، أهمية هذا المثال هو إظهار التفوق العددي للخصم في الخط الأخير أربعة ضد ثلاث وهو ما تحدثنا عنه مسبقاً لعلاج مشكلة استلام ليفا للكرة بين الخطوط وانطلاق الأجنحة في ظهر الدفاع المستبق مع ليفا، الأن يوجد لاعب يستبق مع ليفا وآخر يحمي المساحة وهنا تتجلى عظمة وبساطة هيكل لويس انريكي الذي تسيد به النصف ساعة الأولى من مرحلة بناء اللعب قبل أن يطرد آراوخو ويبتعد برشلونة عن البناء ويستلم باريس زمام المبادرة في المباراة كما سنرى لاحقاً.
الفصل الثاني: الترحيل القسري
تتجلى قسوة هذه البطولة في قصر الوقت المتاح للتدارك، بعد إقصاء آراوخو كان التكتل في الثلث الأخير هو الخيار للفريق، قبل ذلك وفي الحالات التي تموضع فيها الفريق على إرتفاع قليل كانت الأطراف محمية بشكل جيد جداً نتيجة لتدعيم الأطراف بمجهودات الأجنحة وقرب غوندوغان من فيتينها محرك اللعب للفريق الباريسي، حتى سقوط فابيان رويز بين آراوخو وكوندي لم يكن بتلك المشكلة الكبيرة كما حدث بعد الإقصاء نظراً لتواجد نونو في الخلف مع ثلاثي الدفاع الوقائي حيث بقي معظم الوقت هناك دون المشاركة الفعلية مع الكرة هجومياً.
ما بعد النقص العددي بدأت المشاكل بالظهور بخروج لامين يامال وتحويل بيدري إلى الجهة اليمنى والذي كان بمثابة نقطة ضعف بسبب بطئ الترحيل والحيرة بين ذلك وبين القرب من فيتينها مما يعطي باركولا موقف 1 ضد 1 على كوندي عكس السابق حيث كان في مواجهة أمام كوندي ولامين يامال.
فيتينها هو من قرر كل شيء، نراه في الدائرة البيضاء يستلم الكرة من باركولا الذي ليس في وضعية تسمح له بصنع شيء كبير، مهم جداً أيضاُ ذكاء فابيان رويز في التحرك وشغل لاعبي الخصم لإعطاء الأفضلية للزملاء و باركولا تحديداً.
التمويه الأول بتغيير جهة اللعب نحو ديمبلي يتم وتحريك الكتلة بعيداً عن باركولا أيضاُ، لكن باركولا لا يتمركز بشكل متطرف كافي ليستلم الكرة و فيتينها يراه.
نتيجة لتمركز باركولا الخاطئ وعدم وجود مسار مباشر تجاه فابيان رويز، فيتينها يعود للتمويه لتحريك كتلة الخصم وبالأخص كوندي وبيدري نحو الاتجاه المعاكس.
تمويه ناجح وتمركز أفضل من باركولا.
هذه المساحة أمام باركولا لها عدة أسباب، أولها ما فعله فيتينها سابقاُ وتمركز رويز أمام كوندي و مبابي أمام كوبارسي وآخرها حمل فيتينها الكرة باتجاه بيدري لتثبيته وترك باركولا يستلم حراً مع مساحة ووقت كافيين لمحاولة صنع الفارق.
باركولا حراُ يستلم ويتقدم في المساحة ويرسل عرضية نحو مبابي خلف الدفاع بينما يهاجم ديمبلي المساحة على القائم البعيد دون وعي كانسيلو بتواجه.
الكرة تصل إلى ديمبلي الذي يسدد ويسجل هدف التعادل في توقيت مهم جداُ من المباراة.
كيف كانت ردة فعل تشافي على ما حصل؟
الحل الافتراضي كان بالتبديل بين أماكن رافينها وبيدري ليكون البرازيلي مدافع خامس مع باركولا على سوية خط الدفاع، كيف استفاد باريس من ذلك؟ تجميع اللعب على الجهة اليمنى ثم تسليم الكرة إلى صاحب القرار فيتينها المتواجد في وسط الملعب مع انزياح تام لخط وسط الخصم نحو جهة اللعب ومعهم ليفاندوفسكي أيضاُ، هنا نرى مجدداُ تمركز مبابي و رويز مع ذات اللاعبين مع إضافة رافينها مع باركولا، هنا أصبح لدى نونو مساحة كبيرة للتقدم دون أن تكون المخاطرة كبيرة نظراً لعمق تمركز رافينها الحالي.
فيتينها يستلم و يمرر نحو نونو المتقدم في المساحة حيث لا يوجد أحد للمضايقة على الإطلاق للأسباب التي ذكرناها سابقاً.
نونو حراً يرسل عرضية متقنة نحو القائم البعيد حيث يعاود ديمبلي مهاجمة الجهة العمياء لكانسيلو مضافاً إليه زائير خلف مارتينيز.
بسهولة تصل الكرة نحو ديمبلي الحر الذي يسدد الكرة بجوار القائم، جميل جداً هنا تحرك مبابي سواءً لاستلام تمريرة افتراضية من ديمبلي أم إكمال الكرة في الشباك لو ارتدت من حارس المرمى، وعلى هذا المنوال تسيد الفريق الفرنسي المباراة حتى نهايتها مع محاولات قليلة ولكن خطيرة للخصم عبر التحولات السريعة.
كيف استغل باريس التفوق العددي في الضربات الركنية ؟
الفكرة تبدأ بجذب ثلاث لاعبين وإخراجهم من المنطقة نحو الطرف بلعب الكرة قصيرة، في نظام برشلونة الحالي جميع اللاعبين يدافعون رجل لرجل ما عدا ليفاندوفسكي المدافع عن القائم القريب والذي تفع عليه مسؤولية تغطية المساحة المشار إليها في حال مرر الكرة إلى هناك. ديمبلي يلعب التمريرة القصيرة نحو أشرف حكيمي.
حكيمي ينتظر قدوم غوندوغان ليبعده عن فيتينها المستلم في المساحة، هنا أشرف لعب التمريرة ولكن ليفاندوفسكي مازال واقفاُ خلف نقطة الجزاء ولم يخرج ليقابل فيتينها ويضيق عليه.
فيتينها يسدد حراُ نحو المرمى، الرؤية هنا محجوبة عن تير شتيغن كما هو مبين في الصورة لتتهادى الكرة في الشباك، يمكن رؤية تأخر ليفا في الخروج للضغط من تمركزه الحالي.
الكرة تعانق الشباك.
تير شتيغن ومحاولة رؤية مسار التسديدة المحجوب.
فكرة الركلة كان قد نفذها باريس سان جيرمان قبل أقل من خمس دقائق، ديمبلي يمرر نحو حكيمي ورويز يسحب المراقب للخارج.
ديمبلي يمرر نحو فيتينها الذي يطلب الكرة في المساحة.
ولكن الفارق هنا هو توقيت خروج ليفاندوفسكي لمقابلة فيتينها الذي أرسل عرضية نحو القائم البعيد كادت أن تنتهي بهدف.
الملخص:
يقال أن جوهر كرة القدم أنها لا تنبؤيه، أي لا يمكن توقع ما يمكن أن يحدث فيها وهذه المباراة والتي سبقتها خير مثال على ذلك، معركة على مرحلتين تفوق فيها كلا المدربين على الآخر في مرحلة ما ولكن الغلبة كانت لمن خدمه التحضير للتعويض والسياق الغير متوقع للأحداث، الذي يتأكد لنا هو أنه لا يمكن حسم مباراة قبل أن تلعب وأنك مهما بلغت من العظمة في عيون الجماهير والإعلام فهم مستعدون لإسقاطك سريعاً وكأنك لم تكن كما حصل مع آراوخو.