كوبي ماينو.. الفارق بين بوجبا وهازارد

كوبي ماينو.. الفارق بين بوجبا وهازارد !

كيف يمكن أن نبدأ الكلام عن لاعب يبلغ الثامنة عشر ويلعب أساسياً مع مانشستر يونايتد وبالفعل بدأ مسيرته الدولية مع المنتخب الانجليزي؟ الجواب هو العقلانية والمنطقية وتذكر أنه أحد الشباب الكثر الذين يتم الزج بهم في أيامنا هذه من الأكاديميات لتعويض النقص أو الصفقات اللاعقلانية التي تقوم بها إدارات الأندية، فهل هو مجرد هالة إعلامية أم فعلاً يستحق ما حصل عليه من فرص في الأشهر القليلة الماضية؟

المهارة، التقنية، التضحية، الجرأة، الوعي هي أشياء يمتلكها هذا الشاب الصغير ويبرزها في أوقات عديدة وينساها في أوقات أخرى، لديه عدة عيوب ونواقص مثله مثل باقي اللاعبين ولكنها قابلة للتدريب والتعويض، الآن تبدأ الرحلة حول الحقيقة المتمثلة بكيان اللاعب وما هو عليه، وعلينا ذكر أهم مهارة للاعب خط الوسط أينما لعب وهي المسح البصري (Scanning)، لاعبون كبار أمثال لامبارد كانوا يجرون المسح عشر مرات في آخر عشر ثواني قبل استلام الكرة، أما تشافي فيملك متوسط ستة مرات، هل ينتمي كوبي ماينو لهم أم لا؟

الفصل الأول:

اللعب في محور الارتكاز 6:

في عمر الثامنة عشر، قد يتبادر للبعض منا أن اللعب في تلك المساحة ليس بتلك الصعوبة ولكن الحقيقة تقول عكس ذلك، كوبي ماينو يمتلك موهبة فطرية جميلة جداً وتعلم الكثير في الأكاديمية، هل هذه الأشياء كافية ليكون حجر أساس في مانشستر يونايتد ومنتخب إنجلترا في هذا المركز؟

في مثالنا الأول نرى ماينو يجري مسح بصري على يساره فقط وبذلك هو لم يلاحظ المساحة الكبيرة خلفه حيث يمكنه الاستلام والدوران بسهولة وتأمين تدرج أكثر سلاسة للكرة ولكن هذا لم يحدث فهو بجسده المغلق الحالي محدود الرؤية والقدرة على مساعدة فريقه في مباغتة الخصم الذي أعطاه الفرصة لذلك.

اللاعب يستلم بجسد مغلق غير داري بالمساحة الشاسعة من خلفه والتي يمكنه الدوران وحمل الكرة بها خصوصاً أنه استلم على قدمه اليسرى بحيث يكون الالتفاف أكثر سهولة مخرجاً خمسة لاعبين من الخصم خارج الحالة الدفاعية مستغلاً الوقت الذي سيحتاجون إليه كي يعود كل منهم إلى تنظيمه الدفاعي.

قراره لم يكن سيئاً بإعطاء الكرة نحو كاسيميرو المواجه لمرمى الخصم ، لكن أن تستلم دون ضغط مع مساحة كافية للتقدم وأنت غير مدرك لهذا فهو شيء غير مبشر.

في الحالة التالية نجد ماينو خلف خط الضغط الأول مع مساحة للاستلام خلفه ولكنه لم يطلب الكرة أو يتحرك ليعدل الوضعية ليشجع ماغواير على التمرير له.

هنا ينظر ويرى المساحة دون أي حركة أو طلب للكرة مع اقتراب كالاغير منه لغلق مسار التمرير المفتوح له.

تبعاً لذلك، ماغواير يضطر للذهاب نحو الطرف بينما بقي الشاب ساكناً منفصلاً عن اللعبة رغم وجود فرصة جيدة للتدرج السليم بالكرة من العمق

استكمالاً للقطة نجد أنه خارج سياق اللعب تماماً رغم أن الفريق متأخر في نتيجة اللقاء وعليه المبادرة لفعل شيء مساند هجومياً للفريق.

في اللقطة التالية سنرى مرة أخرى شبه انفصال وعدم إدراك اللاعب لأهمية قراره تبعاً لسياق المباراة، الفريق متقدم بفارق هدف ويتبقى دقائق على النهاية، يجري المسح ليتأكد أنه بعيد عن الضغط.

يستلم حراً والمطلوب منه هنا الحفاظ على الكرة لضمان نتيجة اللقاء لصالح مانشستر يونايتد، قراره كان التسرع واللعب نحو الطرف بكرة غير دقيقة بدلاً عن التمرير نحو دالوت الخالي من الرقابة مع مساحة للدوران والتقدم أو حتى إعادة الكرة للخلف.

نتيجة التمريرة المتسرعة في وقت حساس من المباراة نحو لاعب لا يتميز بالسرعة من الأساس وهو برونو. هنا أهدى الكرة للخصم دون داعي رغم حاجة فريقه الماسة للحفاظ عليها.

بعد 40 ثانية من رمية التماس الناتجة عن تمريرته يتحصل تشيلسي على ركلة جزاء تعيده إلى المباراة وينتصر بها، تلك الثواني لم يخسر فيها تشيلسي أي تمريرة على الإطلاق، كان من الممكن أن يتروى ولربما يتعلم من هذه القرارات لأجل المستقبل تبعاً لسنه.

مع المنتخب الإنجليزي بدأ اللاعب أساسياً بجانب ديكلان رايس المراقب من لوكاكو كما نرى، يسقط ماينو ليستلم دون أن يجري مسح بصري لما يحدث من خلفه وحوله.

ضغط خلفي مفاجئ له يخسر به الكرة في منطقة خطرة على الرغم من أنه لو أجرى المسح اللازم لرأى خصمه والمساحة الكبيرة للدوران عن يمينه ولكنه يخطئ من جديد بذات الاسلوب.

نتج عن ذلك فرصة محققة أضاعها لوكاكو في مواجهة واحد ضد واحد صريحة.

مشكلة إضافية يعاني منها اللاعب وهي البطء في الدوران بعد الاستلام والتردد في اتخاذ القرار والتمرير للأمام، هنا يطلب الكرة في رجله اليمنى بين الخطوط دون ضغط مباشر عليه ودون مسح بصري كافي.

يستلم ويستدير ببطء ونظر موجه غير تقدمي رغم وجود الوقت والمساحة للالتفاف والتمرير الكاسر للخطوط قطرياُ نحو بيلينجهام أنو فودين.

بيلينجهام يطلب الكرة ولكن اللاعب مازال متردداً متأخراً مما يعطي الفرصة لخط وسط المنتخب البلجيكي بغلق مسارات التمرير المفتوحة بسهولة.

فودين وبيلينجهام أصبحوا خيارات غير موجودة ليعود مجبراً نحو الخلف.

مسح بصري للأمام للمرة الثانية قبل الاستلام في هذه اللقطة وهو شيء لم يحدث في السابق، كيف ستكون النتيجة؟

إستلام بجسد نصف مفتوح بقدمه اليسرى مع استكشاف بصري لما بين الخطوط، هل ستختلف خيارات اللاعب؟

نعم، ماينو يثق بخيار التمرير لأنه يعلم الآن إلى أين وهو مالم يكن يحدث في السابق.

الكرة تتجاوز خط الضغط الثاني للخصم نحو المهاجم ولكنه يفشل في استلامها، لكن المهم هنا أن اللاعب عندما يستكشف تخرج منه أشياء مفيدة للفريق عكس السابق. لو استلم توني هنا بنجاح لربما كانت اختلفت الأمور .

مرة أخرى يستلم دون مسح بصري رغم أنه يملك المساحة للالتفاف والخيارات خلف خط وسط الخصم المتقدم، هنا قبل الاستلام كان ينتظر التمريرة بجسد نصف مفتوح.

بعد الاستلام يستدير بجسد مغلق دون أي مسح بصري، ومن حسن حظه أنه لم يتعرض للضغط هذه المرة.

يلتف ببطء شديد ليرى أخيراً كل من بيلينجهام وفودين بين الخطوط يطلبان منه الكرة بوضعيات جسدية ممتازة ولكنه يتقدم أكثر بالكرة ويتأخر بالتمرير.

في النهاية يتمكن من إيجاد بيلينجهام رغم تأخره الشديد والذي ساعده في ذلك هو تمركز بيلينجهام الممتاز بين الخطوط وسذاجة الخصم في إغلاق مسارات التمرير

مشكلة الاستكشاف مستمرة لدى اللاعب في معظم الحالات التي يستلم بها الكرة من خط الدفاع، هنا يسقط دون أن يجري عمليات مسح كافية على جانبيه ليرى أنه محاط من كل جانب.

يستلم ليجد نفسه في حصار ثنائي يجعله يخسر الكرة لصالح الخصم بدلاً من أن يتمكن من المناورة أو حتى التراجع عن طلب التمريرة من الأساس تبعاً للوضعية التي هو فيها.

خسارته للكرة إلى خارج الملعب.

لقطة إبداع لها نصيب من الحظ، هنا اللاعب يجري مسح خلفه يساراً فقط، ويسقط ليستلم من الحارس أونانا.

يستلم ويستدير بخداع رائع في الاتجاه المعاكس لضغط الخصم حيث توجد المساحة الخالية ليتقدم بالكرة مخرجاً ضغط الخصم العالي من الخدمة.

تلك الاستدارة الصغيرة أنتجت موقف تفوق بحمل الكرة بجسد مواجه للملعب مع خيارين تمرير أحدهما في العمق هو برونو والثاني بيساكا على الطرف، هنا اللاعب يختار بيساكا رغم المساحة المتاحة أمام برونو وفارق القدرات ونوعية التمركز والجودة على الكرة، قرار غريب وكأن اللاعب لا يريد إكمال عمل متقن للنهاية.

لو وصفنا اللاعب بالخجول في هذا المركز لربما هو مناسب جداً له، في هذه اللقطة يستلم بجسد مغلق ودون أي مسح بصري على الجانبين أو الخلف ليرى أفضل ما يمكنه فعله، يمكن ملاحظة وجود برونو ومكتوميناي بين الخطوط.

يستلم والجسد مازال مغلقاً، ولا اي مسح بصري من حوله، لو تبصر من حوله لاستدار ومرر نحو برونو الذي بسهولة كان سيجد مكتوميناي بجسد مواجه لمرمى الخصم بين الخطوط ولكن لا جدوى من ذلك، ماينو أعاد الكرة نحو ليندلوف ببساطة.

في معظم المباريات التي يبدأ بها في هذا المركز يتم نقله إلى مناطق أعلى، يحل مكانه دالوت أو برونو أو مكتوميناي، مع إنجلترا سقط بيلينجهام وفودين ليصعد هو أكثر بدلاً عن تواجده في هذا الدور.

الفصل الثاني:

التواجد في مراحل متقدمة من اللعب:

كالمعتاد ماينو يقترب كخيار تمرير ولكن دون أي وعي مكاني، لا مسح بصري ليعلم كيف سيستلم وإلى أين سيتجه، أين الخصم والزميل؟ هنا كالاغير يستغل هذه الثغرة لدى اللاعب ويضغط عليه من الخلف لحظة خروج التمريرة تجاهه من دالوت.

كالاغير يقطع الكرة بسهولة دون ان يراه ماينو حتى لحظة القطع لتذهب الكرة نحو جاكسون في مرتدة.

هذه هي نهاية الهجمة المرتدة، لولا لمسة زائدة من مودريك داخل المنطقة لكانت غلطة واحدة تحولت بلمستين من الخصم في مرمى فريقه في توقيت سيء جداً.

هذا المثال يوضح ما يمكن للاعب أن يفعله لو أنه يتمرن بشكل أكبر على المسح البصري، في البداية كشف عن يمينه فقط أي للخلف.

يستلم ونرى بيلينجهام يطلب الكرة بين الخطوط ولكن عدم المسح البصري للأمام عقد المهمة على ماينو فيقرر العودة للخلف تحت ضغط تيليمانس.

أثناء العودة بالكرة للخلف يجري مسح بصري للأمام ليرى مساحة صغيرة يمكنه حمل الكرة بها تحت رعونة ضغط الخصم معظم الأوقات.

يتقدم بها بكل شجاعة ويرى بيلينجهام بين الخطوط ويصل إليه بكل سلاسة وهدوء، بيلينجهام كالمعتاد وعلى عكس ماينو فهو جاهز للاستلام بوضعية نصف مفتوحة مع وعي كامل للمحيط.

بيلينجهام يستلم ويمرر نحو توني خلف خط الدفاع الذي يتحصل على ضربة جزاء أعادت الفريق للمباراة بشكل سريع، المقصد هنا أن ماينو عندما يكون واعي بما هو حوله فالإبداع ليس بالصعب عليه، هو من يعقد الأمور على نفسه، كلاعب شاب يمكنه تطوير هذه الجزئية ليصبح من أفضل لاعبي الوسط في مستقبل أوروبا.

حماية الكرة:

من أهم الخصائص التي يجب أن يملكها متوسط الميدان هي قدرته على حماية الكرة والحفاظ عليها تحت الضغط المباشر، اللاعب في مثالين أظهر ذكاء عالي في حماية نفسه والكرة ليخرج من الضغط بتقنية عالية تظهر ما يمكن أن يقوم به مع الوقت، في هذا المشهد نرى أنه يستلم كرة عالية مع ضغط مطبق عليه من الخلف مع خيارات تمرير معدومة.

اللاعب يخفض مركز ثقله ويستخدم مؤخرته لإبعاد الخصم في مشهد شبيه بما كان يفعله هازارد مع تشيلسي.

بعد احتواء الضغط الخلفي وقدوم الأمامي يجد المفر بالدوران بالكرة والتقدم بها في المساحة خلف المراقب الخلفي له.

لينجح بالهروب من اللاعبين وحمل الكرة عمودياُ تجاه رؤية مفتوحة.

هذه الحالة تظهر استلامه لكرة هوائية مع ضغط خلفي وضغط أمامي متوقع.

يضع رجله اليسرى بذكاء في الجهة التي سيأتي منها المهاجم ليحمي الكرة ويصد تدخل الخصم ويحافظ على الكرة في وضعية ليست يسيرة على الجميع.

بعدها يمرر الكرة نحو برونو رغم ضيق المساحة، هذا يبين لنا قدرات اللاعب العالية لو أنه يدرك باستمرار ما يحيط به.

الفصل الثالث:

إضافات الثلث الأخير:

اللاعب لديه مساهمات كبيرة وقراءة جيدة للمساحات في الثلث الأخير متضمنة الدخول إلى الصندوق وتسجيل أو صناعة الأهداف، سواء عن طريق الوصول المتأخر إلى داخل المنطقة أو مهاجمة المساحة خلف الدفاع.

كما يمتلك ميزة التسديد من خارج الصندوق حيث سجل هدفين مميزين بنفس الأسلوب أمام كل من ولفرهامبتون وليفربول.

بنفس الطريقة والتقنية أمام ليفربول:

الملخص:

يتجلى لنا بعد البحث والتدقيق في أداء اللاعب عن قرب أنه لا يوجد أي شك في جودته مع الكرة وقبوله التام للمهام الدفاعية، لكن يظهر جلياً أيضاُ أن مشكلته الكبرى والتي تدمر كل ما يستطيع تقديمه هجومياُ للفريق هي المسح البصري لذا كان من المهم ذكر بوجبا في العنوان لتشابه الحالة الكروية بينهما، يملكان كل شيء ماعدا استدامة المسح البصري والوعي والمكاني بالتبعية، هي مهارة يمكن التدرب عليها وتحسينها مع الوقت وأيضاً باللعب مع عناصر أفضل في خط الوسط كما ظهر الفارق بين أدائه مع الفريق والمنتخب، نحن أمام لاعب لو سار بكل التزام لن يقل عن لاعبي الوسط في مستقبل المنتخب الانجليزي والقارة ككل.