روبن اموريم يرد علي الجميع
قدّم روبن اموريم أمام بيرنلي مباراة رائعة على جميع الأصعدة؛ من التنظيم التكتيكي، إلى الانضباط الدفاعي، وصولاً إلى سرعة التحولات الهجومية. بل يمكن القول إن النتيجة النهائية لا تعكس على الإطلاق حجم السيطرة والأفضلية التي فرضها مانشستر يونايتد طوال اللقاء، إذ كان من الممكن أن تنتهي الحصة بأرقام أكبر بكثير لولا بعض التفاصيل الصغيرة أمام المرمى.
ورغم كل هذه الجوانب الإيجابية، هناك نقطة أود التوقف عندها لما لها من أهمية خاصة: التحسن الملحوظ لمانشستر يونايتد في الركلات الركنية. لقد بدا واضحاً أن هناك عملاً تدريبياً مركزاً بُذل في هذا الجانب، سواء على مستوى تحركات اللاعبين داخل المنطقة.
هذا التطور جعل الركنيات سلاحاً فعّالاً في يد أموريم، مختلفاً تماماً عمّا اعتدناه من الفريق في المواسم السابقة. لقد شاهدنا تمركزاً ذكياً، وانضباطاً في الأدوار، وجرأة في استغلال المساحات، وهو ما جعل الركنيات تبدو أخطر وأكثر تنوعاً، لدرجة أنني أرى أن مانشستر يونايتد أصبح قادراً على تحويلها إلى مصدر ثابت للأهداف في المباريات القادمة.
الفكرة الاولي:
في بداية المباراة، تولّى ميسون ماونت تنفيذ الركنية الأولى لمانشستر يونايتد، وجاءت الكرة بدقة متناهية نحو رأسية يورو الذي ارتقى بشكل مثالي داخل منطقة الجزاء موجهاً الكرة بقوة نحو المرمى. لقد كانت تلك اللحظةبمثابة أول تهديد حقيقي من جانب الفريق الأحمر، لكنها اصطدمت بتألّق الحارس مارتن دوبرافكا، الذي أبعد الكرة برد فعل استثنائي مؤكداً منذ اللحظات الأولى أنه قادم لتقديم مباراة كبيرة من جانبه.
الفكرة الثانية:
في الركنية الثانية، تقدّم برايان مبويمو لتنفيذ الكرة الثابتة، وهذه المرة لجأ إلى خيار مختلف، حيث لعبها باتجاه القائم القريب حيث تمركز ميسون ماونت موجها الكرة برأسه نحو المرمى، غير أن محاولته اصطدمت بالعارضة، لتضيع فرصة محققة أخرى كادت أن تمنح مانشستر يونايتد التقدم
ما يميز هذه الركنية هو التنويع الواضح في الأفكار؛ ففي الأولى لجأ الفريق إلى إرسال كرة عالية نحو قلب منطقة الجزاء لاستغلال طول يورو، بينما في الثانية اعتمد على التحرك السريع نحو القائم القريب لاستغلال عنصر المفاجأة. هذا التنوع يعكس بجلاء بصمة أموريم التدريبية في جعل الركنيات سلاحاً يصعب التنبؤ به على الخصوم.
الفكرة الثالثة:
في الركنية الثالثة، تولّى برايان مبويمو التنفيذ مرة أخرى، لكن هذه المرة لم يلجأ إلى إرسال كرة عالية داخل منطقة الجزاء كما في المحاولات السابقة، بل نفّذ كرة مقصودة نحو حدود المنطقة، في خيار تكتيكي مختلف يعكس تنوع الأفكار التي اعتمد عليها مانشستر يونايتد في هذا اللقاء.
هذه الفكرة تهدف بالأساس إلى سحب مدافعي بيرنلي إلى داخل الصندوق، ثم استغلال المساحات الفارغة على مشارف المنطقة لصالح اللاعب القادر على التسديد المباشر وهنا تتجلّى بوضوح بصمة روبن أموريم، الذي لا يكتفي بالاعتماد على الكرات الهوائية التقليدية، بل يفتح خيارات متعددة تجعل من الركنيات أداة تهديد يصعب على المنافس التعامل معها و اشهر مثال نراه و الاقوي هو ارسنال بالطبع.
في هذه الركنية، ظهرت الفكرة بشكل أوضح، حيث لجأ مانشستر يونايتد إلى تنفيذ مخطط مدروس يقوم على إرسال الكرة نحو اللاعب الهارب من الرقابة على حدود المنطقة. وقد كان أماد ديالو هو العنصر المكلّف بهذا الدور، إذ تحرك بخفة وذكاء إلى المساحة الفارغة ليستقبل الكرة بزاوية تسمح له بالتسديد المباشر.
غير أنّ براعة التنفيذ لم تُترجم إلى هدف، بعدما تعامل الحارس مارتن دوبرافكا مع الكرة بصلابة وهدوء، ممسكاً بها دون عناء، ليواصل تقديم واحدة من أفضل مبارياته هذا الموسم. فبينما كشف يونايتد عن تنوع كبير في حلول الركنيات، كان دوبرافكا هو الحاجز الصلب الذي منع تلك الأفكار من أن تتحول إلى أهداف محققة.
كرر مانشستر يونايتد نفس الفكرة القائمة على استغلال اللاعب الهارب من الرقابة، لكن هذه المرة كان الدور من نصيب برونو فيرنانديز، الذي تحرك بخبث تكتيكي نحو حافة المنطقة ليستقبل الكرة. وبرغم نجاح الفكرة في كسر التنظيم الدفاعي لخطوط بيرنلي، فإن تسديدة برونو لم تعرف طريق المرمى ومرت بجوار القائم، لتضيع فرصة جديدة كان من الممكن أن تغيّر من نتيجة اللقاء
اللافت هنا أنّ مانشستر يونايتد لم يكتفِ بالتنفيذ النمطي للركنيات، بل قدّم باقة من الأفكار المتنوعة، ما بين الكرات الهوائية المباشرة، والتحركات عند القائم القريب، وصولاً إلى الحلول الذكية عبر اللاعبين الهاربين من الرقابة على حدود المنطقة. هذا التنوع عكس عملاً فنياً واضحاً من روبن أموريم، الذي جعل الكرات الثابتة أشبه بسلاح متجدّد يصعب التنبؤ به.
وما يعزّز من قيمة هذه الأفكار أنّها لم تظلّ مجرد محاولات، بل ترجمت فعلياً إلى أهداف في لقاء فولهام اللاحق، وهو ما يؤكد أن يونايتد بات يمتلك نقطة قوة حقيقية يمكن أن تصنع الفارق في المباريات المقبلة إذا ما استُثمرت بالشكل الأمثل. وبذلك، تبدو الكرات الثابتة مرشحة لأن تكون أحد أهم الأسلحة الهجومية للفريق في المرحلة القادمة.
يمكن القول إنّ مباراة بيرنلي كانت بمثابة قبلة الحياة للمدرب روبن أموريم بعد الضغوطات الهائلة التي عاشها في الأسابيع الأولىي من هذا الموسم من توليه قيادة مانشستر يونايتد. فالبداية لم تكن على قدر الطموحات، خاصة أنها جاءت عقب موسم كارثي على مختلف الأصعدة، الأمر الذي جعل أي تعثر جديد كفيلًا بتعميق الأزمة وزيادة الشكوك حول مشروعه.
ورغم أنّ اللقاء لم يسر بالنسق المثالي الذي كان يطمح إليه أموريم، فإن ركلة الجزاء التي نفذها برونو فيرنانديز بثبات شكّلت نقطة التحول. الهدف لم يمنح الفريق الأفضلية على لوحة النتيجة فحسب، بل حرر اللاعبين نفسيًا وأزال عنهم ثقل الضغط، خصوصًا مع اقتراب فترة التوقف الدولي التي كان من الممكن أن تتحول إلى جحيم من الانتقادات لو انتهت المباراة بغير الفوز.
لذلك، يمكن اعتبار هذه المواجهة بداية جديدة، أو لنقل خطوة أساسية في بناء الثقة بين المدرب واللاعبين والجماهير، حتى وإن لم يكن الأداء كاملاً بعد. فالنتيجة في هذه المرحلة كانت أهم من أي تفاصيل أخرى، وجاءت لتمنح المشروع جرعة أكسجين يحتاجها بشدة للاستمرار.