سيطرة في السانت جيمس بارك
حقق برشلونة فوزًا مهمًا على نيوكاسل، ليؤكد تفوقه في المواجهة ويبرهن على شخصيته القوية داخل الملعب، في مباراة عكست قدرته على التحكم بالإيقاع وفرض أسلوبه أمام منافس صعب. وفيما يلي سنسلّط الضوء على أبرز الإشكالات الفنية والأفكار التكتيكية التي ظهرت في المواجهة، لكن قبل ذلك سنتوقف عند بعض الأرقام التاريخية بين الفريقين
تاريخ المواجهات بين برشلونة ونيوكاسل يونايتد
يميل سجل المواجهات بين برشلونة ونيوكاسل في بطولة دوري أبطال أوروبا إلى تفوّق واضح للبارسا، مع وجود لحظات بارزة في تاريخ النادي الإنجليزي. فقد التقى الفريقان حتى الآن خمس مرات، انتهت أربع منها بفوز برشلونة، مقابل فوز واحد فقط لنيوكاسل، من دون أي تعادلات
بدأت القصة في موسم 1997-1998، حين فاجأ نيوكاسل ضيفه برشلونة بفوز مثير 3-2 في ملعب سانت جيمس بارك، بفضل الهاتريك الشهير للكولومبي فاوستينو أسبريّا، وهو الفوز الوحيد للنادي الإنجليزي في هذه السلسلة. لكن الرد جاء سريعًا، إذ حسم برشلونة لقاء الإياب على ملعب كامب نو بثلاثية نظيفة، قبل أن يواصل تفوقه في المواجهات التالية
في موسم 2002-2003، تقابل الطرفان مجددًا في دور المجموعات، حيث انتصر برشلونة ذهابًا على ملعب كامب نو 3-1، ثم عاد وكرر فوزه في سانت جيمس بارك 2-0، ليؤكد أفضليته الفنية والتكتيكية على خصمه الإنجليزي
أما آخر المواجهات فجاءت في 18 سبتمبر 2025 ضمن مرحلة المجموعات لدوري الأبطال، حيث انتصر برشلونة مجددًا على نيوكاسل في معقله 2-1، بفضل تألق ماركوس راشفورد الذي سجّل هدفي الفوز في الدقيقتين 58 و67، ليرفع رصيد انتصارات برشلونة إلى أربع مباريات من أصل خمس، مثبتًا هيمنته التاريخية في هذا السجل
وعلى مستوى الأهداف، سجّل برشلونة حتى الآن 10 أهداف في مرمى نيوكاسل، مقابل 5 أهداف فقط للنادي الإنجليزي، ما يعكس فارق الكفاءة الهجومية بين الطرفين. ورغم التفوّق الكتالوني الواضح، يظل فوز نيوكاسل التاريخي عام 1997 علامة مضيئة في ذاكرة جماهيره، بينما يتعامل برشلونة مع هذه المواجهات بوصفها اختبارًا متجددًا لترسيخ هيبته الأوروبية أمام خصم طموح يسعى دومًا إلى إثبات نفسه
بداية المباراة وضغط نيوكاسل
بدأ مدرب نادي برشلونة، هانز فليك، بتشكيلة مكوّنة من: (غارسيا – كوندي – أراوخو – كوبارسي – مارتن – دي يونغ – بيدري – فيرمين – رافينيا – ليفاندوفسكي – راشفورد)
في حين بدأ مدرب نادي نيوكاسل، إيدي هاو، بتشكيلة مكوّنة من: (بوب – تريبير – شير – بيرن – ليفرامنتو – جيماريش – تونالي – جويلينتون – إيلانغا – غوردون – بارنز)
بدأ فريق نيوكاسل المواجهة بضغطٍ عالٍ منظم، قائم على نظام "مان تو مان"، حيث تولّى جويلينتون وجيماريش مراقبة دي يونغ وبيدري بشكل لصيق للحد من قدرتهما على البناء من العمق. في الوقت ذاته، تقدّم ليفرامينتو من الطرف للضغط المباشر على كوندي، بينما تحرّك بيرن إلى الجهة العريضة لإغلاق المساحات أمام رافينيا، في محاولة لعزل مفاتيح لعب برشلونة وتعطيل خياراته في التمرير القصير والخروج النظيف بالكرة على الأطراف، وهو ما جعل إيصال الكرات القصيرة إلى رافينيا وراشفورد مهمة شديدة الصعوبة
برشلونة عادةً لا يواجه صعوبات كبيرة أمام نظام الرقابة الفردية "المان-تو-مان"، بحكم امتلاكه هوية لعب ديناميكية تتيح له تجاوز الضغط من خلال التحركات المستمرة وتبادل المراكز. غير أن نيوكاسل أظهر شراسة بدنية وانضباطاً عالياً في الضغط، الأمر الذي أعاق برشلونة في عملية التدرج بالكرة عبر التمريرات القصيرة
تعامل برشلونة مع ضعطٍ نيوكاسل
تعتمد فكرة برشلونة على توظيف الكرات الطويلة نحو ليفاندوفسكي، لاستغلال موقف التكافؤ العددي وخلق انتقال هجومي سريع وخطير في ظل نظام الرقابة الفردية "المان تو مان". وفي المقابل، قد يلجأ الفريق إلى نفس الآلية لكن بهدف مختلف، يتمثل في إيصال الكرة إلى بيدري أو دي يونغ، لخفض نسق اللعب والتحكم في الإيقاع، بما يتيح التدرج المنظّم نحو الثلث الأوسط ومنه إلى مناطق الخطورة
في الحلات القادمة سنستعرض الأفكار......
الحالة الأولى: نشاهد ضغط نيوكاسل العالي والشرس، مما يدفع غارسيا إلى إرسال كرة طويلة لليفاندوفسكي، ثم يلعبها الأخير في المساحة لرافينيا، ليُخلق موقف ثلاثة ضد ثلاثة، وتنطلق هجمة خطيرة
الحالة الثانية: يُلاحظ هنا قيام بيدري بجذب برونو غيماريش نحو المناطق العُليا في الملعب، في حركة تهدف إلى تفريغ المساحات بين الخطوط، مما يتيح خيارًا مثاليًا للتمرير. وفي اللحظة ذاتها، يستغل غارسيا هذا الفراغ عبر إرسال كرة طولية مُحكمة نحو الجبهة المتقدمة
قام ليفاندوفسكي بتمرير الكرة إلى بيدري، بعد تحرك الأخير بذكاء نحو المساحة الخالية لاستقبال الكرة والخروج من الضغط
يُعَدّ وجود دي يونغ وبيدري أحد أهم مفاتيح برشلونة في الخروج بالكرة من مناطق الضغط، إذ يمتازان بقدرة استثنائية على ربط الخطوط وصناعة قنوات لعب آمنة تحت الضغط العالي، إلى جانب امتلاكهما مرونة في التمركز تسمح بكسر الاندفاع المنافس. كما يشكل تحكمهما في إيقاع المباراة عاملًا حاسمًا في فرض سيطرة برشلونة على مجريات اللعب
مما جعل مدرب الفريق فليك يقول: "مع بيدري وفرينكي، ليس من السهل الضغط علينا ليوم، قدّم كلاهما مباراة رائعة. أن سعيد لأنهما يلعبان بهذه الثقة"
من خلال خريطة التمريرات هذه، سيتم ملاحظة اعتماد الفريق عليهم بشكل كبير....
فكرة برشلونة لخلخلة دفاع نيوكاسل
في الثلث الثاني، لجأ برشلونة إلى تنظيم (4-4-2) مع تضييق ممرات اللعب عبر ضم الظهيرين، مارتن وكوندي، نحو العمق، مما منح الفريق مرونة أكبر في بناء الهجمة من الخلف. هذا التحول ساعد على خلق زوايا تمرير إضافية وتوسيع دوائر الاستحواذ، مع استغلال المساحات الحرة بشكل أكثر فاعلية لتسهيل وصول الكرة إلى الأجنحة، بغضّ النظر عن الجهة المستخدمة
اعتمد برشلونة في الثلث الأخير على الكرات العرضية، خاصة القطرية منها، ما جعل فيرمين لوبيز يتمركز في مناطق متقدمة بشكل متكرر، وفي المقابل، كان الجناح على الطرف الآخر يميل إلى الداخل لخلق زيادة عددية في العمق واستقبال العرضيات، مع وجود لاعب للتغطية في حال تجاوزت الكرة إلى الجهة الأخرى
في مشهد الهدف: نلحظ تمركز ثلاثي هجومي داخل المنطقة، مهيأ لاستقبال التمريرة القطرية واستثمار المساحة بشكل مباشر
في الختام، برزت أمامنا جملة من الأفكار التكتيكية التي عكست أداءً منضبطًا للفريق الكتالوني، حيث قدّم مباراة متوازنة اتّسمت بجوانب إيجابية عديدة، يمكن استثمارها وتطويرها لتُشكّل قاعدة صلبة للبناء في المراحل المقبلة