من الأشياء النادرة التي يتفق عليها جميع من يعملون في كرة القدم من مدربين ومحللين هي اختلاف الأسماء، خاصة في المراكز وأدوار اللاعبين، الأمر الذي يرجع إلى أن ليس هناك قاموس لغوّي يُفسّر و يُعرّف المصطلحات و المراكز والأدوار.
المعضِلة تبدأ مع بداية أول نهائي كرة قدم عرفه التاريخ، نهائي كأس الإتحاد الإنجليزي بين فريقين العجائبيين أو Wanderers ضد المهندسين الملكيين أو Royal Engineers عام 1872.
كان الفريقان يلعبان حينها بمدافع واحد، كان يُسمى بثلاث أرباع مدافع أو Three quarters back. إذا كانت هذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها هذا الإسم، فبالتأكيد سوف تشعر بالحيرة! كرة القدم حينها لم تكن مثل كرة القدم التي نعرفها الآن حيث أنها كانت رياضة تجمع بين رياضة كرة القدم و رياضة الرغبي، حتى انفصلت رياضة الرغبي عن رياضة كرة القدم كليّا.
قانون التسلل كان محوريًا في تطوّر كرة القدم، وكان هو المؤثّر الأول في تغيّر الخطط التكتيكية على مر العصور ( لمشاهدة مقال نشأة كرة القدم للكاتب محمد خالد من هنا ) وقانون التسلل حينها كان السبب وراء لعب الفريقين العجائبيين و المهندسين الملكيين بمدافع واحد ولاعب وسط واحد و ثمان مهاجمين.
لاعب خط الوسط الوحيد كان يُطلق عليه اسم Half back أو نصف مدافع، والمهاجمون الثمان كانوا ينقسموا إلى أربع مهاجمي طرف أو Wide forwards وأربع مهاجمي وسط أو Center Forward.
لاحظ أن لقب النصف مدافع أو Half back للاعب وسط الملعب هو اليوم دور للاعب الارتكاز وليس مركزًا!
بعد مرور ما يقرب من ثلث قرن تقريبا، ومع إنشاء فريق جامعة كامبريدج تشكيلة هرم كامبريدج المعروفة، تغيرت الأسماء مرة أخرى، حيث أن كانت التشكيلة تتكوّن من مدافعين أثنين يُسمُّى كل منهما بالظهير أو Full back، لاحظ أن ما نعرفه اليوم بأسم الظهير مختلف كليّا عن ما كان يعرفه العالم منذ قرن من الزمان!
كان هرم كامبريدج يتكوّن من ثلاث لاعبي وسط يحملون نفس الأسم Half back أو نصف مدافع وكان أحيانا يطلق على لاعب الوسط الأيمن والأيسر اسم Wing half back أو جناح النصف مدافع لإنه قريب إلى الخط.
كان الهرم يتكوّن أيضًا من خمسة مهاجمين، لاعبان Outside Forward و لاعبان Inside Forward ولاعب Center Forward.
لقب الـ Inside forward يطلق الآن على دور محدد للجناح، وهو دخول الجناح للعمق وكونه مهاجم أكثر من كونه جناح، أشهر مثالين على ذلك هو محمد صلاح و ساديو ماني مع ليفربول.
لقب الOutside forward يطلق الآن على دور محدد للمهاجم، وهو خروج المهاجم للأطراف بدلًا من كونه في عمق الملعب، أشهر مثال على ذلك هو تيمو فيرنر مع لايبزج الألماني.
لاحظ أننا نستخدم ألقاب معيّنة كأدوار، تلك الألقاب نفسها كانت تطلق على مراكز منذ قرن من الزمان، الأمر الذي يشعرك بالعشوائية و اللانظام في تسميّة الأشياء في كرة القدم.
أراد المدرب فيتوريو بوزو في ثلاثينيات القرن الماضي مع منتخب إيطاليا الاستحواذ على الكرة بشكل أكبر، فحوّل لاعبي خط الوسط الـ Wing half back لمراكز أشبه بـ الأظهرة التي نعرفها الآن، ترك ذلك لاعب وسط وحيد في وسط الملعب عُرف حينها بأسم الريجيستا Regista مع تحوّل مهاجمين اثنين للاعبي خط وسط أُطلق عليهما اسم الميتزالا Mezzala .
· الريجيستا Regista هو لاعب وسط ذو قدرات دفاعية رائعة لإنه كان يلعب بمفرده في وسط الملعب الدفاعي ويمتلك أيضًا القدرة على الحفاظ على الكرة تحت الضغط بشكل كبير.
· الميتزالا Mezzala هو لاعب وسط هجومي يلعب على طرف الملعب بشكل أكبر، يلعب أمام الريجيستا.
كان بيب جوارديولا يلعب بنفس الشكل تقريبًا مع برشلونة عام 2009 حيث أنه كان يعتمد على مدافعين يمتلكان قدرات على لعب الكرة من الخلف، الأمر الذي اشتهر به أيضا فيتوريو بوزو، ولاعب وسط ريجيستا يمكنه الحفاظ على الكرة مثل بوسكيتس، ولاعبين ميتزالا.
في نفس الفترة الزمنية لفيتوريو بوزو، كان المدرب هيربيرت تشابمان يدرب أرسنال، حيث أنه حوّل لاعب وسط ملعب Center half back لمدافع وأطلق عليه اسم Stopper مع تحويل مهاجمين اثنين للاعبي وسط هجوميين Mezzala مثلما فعل فيتوريو بوزو.
الStopper هو لقب للمدافع الذي ليس بالضرورة امتلاكه لأي قدرات على الكرة، لكنه يتمتع بقدرات جسدية ودفاعية رائعة ” لإيقاف” الخصم، ومن هنا أتى الاسم.
كان لدى المدرب كارل رابان في سويسرا تأثيرًا كبيرًا على الأسماء في كرة القدم أيضًا، حيث أن بسبب فلسفته في الحياة ورؤيته أنه الطرف الأضعف في اللعبة، كان من أول المدربين لتحويل لاعبين اثنين في خط الوسط لمدافعين، مع ميّل الملعب للجهة التي تحتوي على الكرة.
حيث أن في حالة الهجوم عليه من اليمين، يراقب المدافع الأيمن أحد المهاجمين مراقبة رجل لرجل، ويكون المدافع الأيسر لاعب ليبرو أو سويبر Libero/Sweeper. كانوا المدافعين في هذه الخطة حجر الأساس، حيث أن يجب أن يمتلكوا قدرات دفاعية كبيرة وفي الوقت نفسه قدرات على لعب الكرة استثنائية ليكونوا صنّاع اللعب في هذه الخطة!
اللاعب الليبرو أو السويبر Libero/sweeper هو لاعب لديه القدرة على التغطية وراء خط دفاعه خاصة وراء زميله المدافع الذي يدافع رجل لرجل.
من أشهر أمثلة المدافعين القادرين على القيام بهذه المهام الدفاعية بجانب قدراته الاستثنائية على الكرة هو المدافع الألماني الأسطوريّ بيكينباور.
التطوّر المستمر في كرة القدم، ووجود اثنان وعشرون لاعبًا في ملعب واحد جعلا وجود مرجعية دقيقة للأسماء في كرة القدم هو أمر مستحيل، لذلك العشوائية كانت –ولا زالت– هي السمة السائدة في ذلك ” القاموس “.
اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى.