بنهاية الموسم الأول للهولندي إريك تين هاج على رأس القيادة الفنية لمانشستر يونايتد، لا شك أن الرجل قد استطاع تحقيق نقلة نوعية على أكثر من صعيد؛
فعلى المستوى التنافسي، فالنادي قد عاد لأول مرة منذ ستة أعوام
إلى منصات التتويج عن طريق الفوز بلقب كأس الرابطة على حساب نيوكاسل يونايتد – أحدث المنضمين إلى كبار الدوري الإنجليزي الممتاز – واستطاع أيضا الوصول للمباراة النهائية لكأس الإتحاد الإنجليزي التي خسرها لصالح غريمه الأقرب للثلاثية مانشستر سيتي.
وعلى الرغم من الخروج المرير من الدور ربع النهائي للدوري الأوروبي على يد إشبيلية، إلا أن مانشستر يونايتد قد استطاع استعادة مقعده المفضل في دوري أبطال أوروبا لنسخة الموسم القادم، بعد احتلال الفريق المركز الثالث في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز.
أما على الصعيد التكتيكي – وهو ما نحن بصدد استعراضه بداية من هذا المقال – فرغم استمرار معضلة تذبذب الأداء والنتائج، إلا أن تلك الجوانب قد شهدت تطورا ملحوظا، إذا تم أخذ بعض العوامل التي أعاقت الفريق من المضي قدما بشكل أفضل نحو الصورة اللائقة به: مثل عدم إكتمال الإستقدامات ذات الجودة العالية أو حتى ما يضمن عمق قائمة الفريق في بعض المراكز، إضافة إلى الإصابات التي ضربت العمود الفقري للفريق في أكثر من مناسبة ولأوقات ممتدة، والأهم هو حتمية توفر عامل الوقت الكافي للتغيير الشامل الذي يحاول المدرب الهولندي احداثه في فلسفة لعب الفريق بالتدريج؛ فموسم واحد لا يكفي.
فإذا بدأنا في محاولة استنتاج حجم التأثير الذي أحدثه قدوم الهولندي على المستوى التكتيكي، فلا يوجد أفضل من استعراض أفكاره البعيدة عن الأنماط التقليدية الشائعة في مختلف مراحل اللعب، فبالحديث عن مرحلة بناء اللعب، اخترت لك أخي القارئ ثلاث مباريات من منافسات الدور الثاني لمسابقة الدوري الإنجليزي الممتاز، طبق خلالها تين هاج أفكارا مختلفة للتغلب على أنماط متنوعة للضغط العالي لمنافسيه من ناحية، وتعويض الجودة التي افتقدها الفريق نتيجة غياب بعض العناصر المؤثرة في هذه المرحلة الهامة بسبب الإصابة.
على الرغم من اكتمال عناصر الرباعي الدفاعي الأساسية لليونايتد، ولكن غياب كل من كاسيميرو وإيريكسن عن هذه المواجهة ربما يمثل مشكلة حقيقية للفريق في مرحلة البناء.
وبالتالي كان اختيار تين هاج في هذه المباراة ببناء اللعب برسم (1+4) في مواجهة أسلوب الضغط العالي الموجه رجل لرجل الذي اعتمد عليه توماس فرانك، مع نزول الأظهرة لوك شو ودالوت على نفس الخط الأفقي لقلوب الدفاع وتوسيع الملعب لأقصى ما يمكن.
الهدف الرئيسي لتين هاج كان سحب لاعبي الوسط المتقدمين دامشجارد (24) ويانسن (8) للضغط على أظهرة فريقه وتفريغ مساحة شاسعة في الثلث الأوسط لا يتواجد فيها من لاعبي برنتفورد إلا نورجارد (6) المشغول بالرقابة اللصيقة لماكتوميناي، اعتمادا على عدم قدرة لاعبي الخط الخلفي لبرنتفورد على التقدم للضغط أو لملء فراغ الثلث الأوسط بسبب غياب الزيادة العددية لهم ضد منافسيهم.
بعد بداية عملية البناء بثوان قليلة، قام برونو فرنانديز بالنزول إلى الثلث الأوسط، وبالتحديد في نصف المساحة اليسرى لفريقه ليضع دامشجارد في معضلة الضغط عليه أو الإستمرار في رقابة لوك شو
وفعلا يتجه دامشجارد للضغط على فرنانديز بينما يصعد لوك شو لضمان نفس الكثافة العددية في الخط الأمامي ويستطيع الفريق الخروج من الضغط العالي بتمريرة سلسة من دي خيا إلى سابيتزر، والملاحظ دائما أن تين هاج يحاول دائما في مختلف أنماط البناء تسهيل التمرير التقدمي لدي خيا إلى أقصى درجة؛ نظرا لما يعانيه الحارس الإسباني من قصور في هذا الجانب.
نفس الفكرة تقريبا في حالة أخرى لبناء اللعب من نفس المباراة ولكن مع إضافة بسيطة مهمة؛ وهي قيام لوك شو وليساندرو مارتينيز بتبادل مواقع التمركز وهو ما جعل المهاجم الكاميروني مبومو يقع في حيرة اختيار مرجعية المنافس أم المساحة، وهي الحالة نفسها التي يتعرض لها دامشجارد مجددا بتواجد نجم يونايتد البرتغالي بالقرب منه: الضغط على لوك شو أم برونو فرنانديز؟
وفي هذه اللحظة يقوم الأخير بالصعود للأمام ليسحب لاعب الوسط الدنماركي معه ويستطيع اليونايتد تخطي خط الضغط الأول لبرنتفورد بتمريرة سهلة من دي خيا إلى ليساندرو، بعد ان اختار مبومو الضغط على لوك شو الذي قام بسحبه عكس اتجاه بناء اللعب.
مشكلة جديدة يتعرض لها الشياطين الحمر في هذه المباراة رغم مشاركة كاسيميرو ايريكسن، وهي إصابة قلبي الدفاع الأساسيين للفريق: فاران وليساندرو مارتينيز واعتماد تين هاج على الثنائي ليندلوف ولوك شو، بانتقال الأخير اضطراريا إلى مركز قلب الدفاع.
وهنا يواجه تين هاج أسلوب جديد من الضغط العالي على يد ريان ميسون المدرب المؤقت لتوتنهام، والذي اعتمد على ثلاثة لاعبين مكونين لخط الضغط الأول في مواجهة رباعي الخط الخلفي لمنافسه، وبالتالي السعي إلى توجيه بناء اللعب إلى جهة معينة – الجهة اليمنى لليونايتد في أغلب الأوقات – ثم الترحيل العرضي والضغط الحاد باتجاه الكرة.
فالشكل أدناه يوضح حالة بداية البناء (الأسهم السوداء) ويظهر فيها ضغط كل من سون هيون مين (7) وهاري كين (10) على دالوت ولوك شو لتوجيه البناء للجهة الأخرى ثم الترحيل والضغط على الجهة المقابلة (الأسهم الصفراء)، فإن افترضنا بقاء ليندلوف على نفس الخط الأفقي المتمركز فيه لوك شو فسيكون معرضا للضغط من هاري كين اذا مرر دي خيا الكرة له أو حتى للظهير الأيمن وان بيساكا.
أما بتحركه للأمام
فهو قد يمثل خيارا جيدا لدي خيا بالتمرير المباشر وبالتالي حمل الكرة والتقدم بها للخروج من الضغط العالي لتوتنهام بسهولة.
أما عند استلام وان بيساكا للكرة
فيقوم ليندلوف بالتحرك للأمام مائلا نحو اتجاه بناء اللعب، ويصبح مجددا خيار ممتاز للتمرير، لحمل الكرة والتقدم بها بعيدا عن مجال ضغط لاعبي الخط الأمامي لتوتنهام، في تقنية تشبه تحركات الرجل الثالث إلى حد كبير.
بعد بضعة أيام من مواجهة توتنهام وبنفس غيابات عناصر الخط الخلفي، يعود مانشستر يونايتد إلى ملعب أولد ترافورد لمواجهة أستون فيلا، الفريق الصاعد بقوة تحت قيادة مديره الفني الجديد أوناي إيمري، ومرة أخرى يستدعي تين هاج فكرة قلب الدفاع المتقدم ولكن هذه المرة كعنصر تمويه للخروج من الضغط العالي بالتمرير بشكل مباشر من الخط الخلفي إلى أحد عنصري المحور المزدوج: كاسيميرو أو ايريكسن.
والسبب ببساطة هو أن أستون فيللا يعتمد رسم (4-2-3-1) الذي يتحول عادة لرسم (4-4-2) في مرحلة الضغط العالي بانضمام لاعب الوسط المتقدم – أو صانع الألعاب – بوينديا (10) بجوار المهاجم واتكينز (11) كخط ضغط أول يقوم بتبادل الضغط على قلب دفاع اليونايتد الحامل للكرة بالإضافة إلى لاعب المحور المتأخر كاسيميرو، وذلك مع استعداد أجنحة الضيوف للضغط الحاد على أظهرة خصومهم عند استلام الكرة، وهي من ضمن الأفكارالمعتادة لما يعرف بمحفزات الضغط.
ففي مواجهة أربعة لاعبين يشكلون عناصر خط الضغط الأول، يصعب على أحد عناصر الخط الخلفي التقدم بشكل مباشر بالكرة لقلة المساحات العرضية المتوفرة دون تغطية.
فبتقدم ليندلوف للأمام مائلا لاتجاه بناء اللعب فهو يبتعد عموديا عن مسار لاعب خط الضغط الأول الأقرب للضغط عليه، ويجبر بالتالي الآخر على ترك كاسيميرو والتوجه إليه فيصبح لاعب الوسط البرازيلي حرا لاستلام الكرة والتقدم بها.
ومع وضوح تفوق الفريق المضيف في مرحلة بناء اللعب، اضطر إيمري إلى تعديل أسلوب الضغط بالتحول الى الضغط الموجه رجل لرجل على جميع عناصر الخطوط الخلفية لليونايتد، إذ أصبح كل من واتكينز (11) وبوينديا (10) يقومون بالضغط المباشر على قلبي دفاع منافسيهم، بينما تقدم لاعب المحور دوجلاس لويز (6) ليتولى مهمة الضغط المباشر على كاسيميرو.
وبذلك فقد أستون فيللا ميزة الزيادة العددية (6 ضد 5) على مستوى خطوط الفريق الخلفية، وأصبح نزول أحد عناصر الخط الأمامي لليونايتد – سواء على أطراف الملعب أو في أنصاف المساحات – ضامنا في أغلب الأحيان ليستلم الكرة بدون رقابة، مواجها لمرمى خصمه وفي حالة تساو عددي، وهو الشكل الذي يعتبر من الأخطر والأكثر تهديدا على مرمى الخصم بوجه عام.
في النهاية، قد تلاحظ – أخي القارئ – اختياري لمباريات يفترض أن يكون لمانشستر يونايتد خلالها اليد العليا، – بالأخص في مراحل حيازة الفريق للكرة – ولم يكن ذلك سعيا لاثبات وجهة نظر شخصية أو الدفاع عن أفكار المدرب الهولندي بشكل غير حيادي؛
بل كان الإختيار مقصودا ضد منافسين يمتلكون قدرا مقبولا – على الأقل – من الجودة، ولكن بالقدر الذي تستطيع من خلاله التعرف على أفكار وأساليب متنوعة انتهجها تين هاج خلال هذه المرحلة الهامة من مراحل اللعب – وهو هدف المقال كما ذكرت مسبقا – ،
فلا فائدة مثلا من تناول مبارياته ضد الأرسنال أو مانشستر سيتي من تلك الجوانب مع علم الجميع بتفوق الأخيرين سواء على مستوى الجودة أو الإستقرار.
أنتهى.
اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى.