” كنا نلعب بطريقة متصّلبة للغاية، لاعبينا يحتاجون لحرية، ليجروا في الملعب حيثما شائوا، ليتبعوا حدثهم، ما داموا يتذكرون دائمًا أن يشغلوا المساحة التي يتركها لاعب زميل لهم خلفه، يجب أن يدعم كلٌ منهم الآخر. حركة مستمرة، لا تتوقف، يتحركون من مركز الي آخر، حتي لا يعود هناك مراكز، أسلوب سريع، مرن، حُر، مع الدعم الكامل.”
كلمات المدرب الأمريكي تيد لاسو لمساعده المدرب بيرد في أمستردام، بعدما حقق نادي ريتشموند سلسلة نتائج سيئة للغاية في البريميرليج، مما دفع تيد لاسو لأخذ فريقه لعطلة في أمستردام، و هناك –وبمساعدة بعض المخدرات الزائفة– أعتقد تيد لاسو انه توصل لأسلوب ” الكرة الشاملة“.
مسلسل تيد لاسو هو من أشهر الأعمال الدرامية، و الحاصل علي 11 جائزة “ برايم تايم ايميز“، يتناول مسلسل تيد لاسو مواضيع متعددة لكرة القدم بطريقة كوميدية، ساخرة، وجادة أيضا في كثير من الأوقات، تيد هو مدرب كرة قدم أمريكية، وضعته الظروف ليكون مدربا لفريق ريتشموند لكرة قدم في البريميرليج، كلمات تيد لمدربه بيرد من الممكن اعتبارها تخليص مُخلّ للكرة الشاملة، لكنه تحدث عن أهم قواعد الكرة الشاملة، ألا و هي:
1) المساحات و كيفية السيطرة عليها.
2) تبادل مراكز اللاعبين و قدرتهم علي تغطية بعضهم بعضا.
قد لا يتبادر لذهنك –عزيزي القارئ– وضع مدينة أمستردام قبل الحرب العالمية الثانية، فهي لم تكن هذه المدينة ” الشيّقة ” أو ” الغريبة ” التي يظن فيها البعض الآن، على النقيض تماما، كانت مدينة مملة، رتيبة، محافِظة علي عاداتها، سرعان ما تغير هذا الحال بعد الحرب، و خاصة في منتصف الخمسينات و الستينات، حيث أن الرخاء المتنامي في أوروبا كان قد وصل لذروته، و أثّر ذلك علي الفن، و الثقافة، فأصبحوا أكثر تمردا علي التقاليد، و أكثر ” سريالية “، و مع ظهور حركات ثورية، تدعوا الي التشكيك في المبادئ التقليدية و تقبل أساليب أكثر تقدميّة، كانت أمستردام قِبلة مَّن يريد أن يطبق أفكار غير اعتيادية، و هنا، أتي دور ” جاك رينولدز” .
كانت كل الظروف تخدم الانجليزي جاك رينولدز ليكون الأب المؤسس لكرة القدم الهولندية، حيث أنه كان ذا عقلٍ تنويري و تجديدي يناسب ” موضة ” أمستردام في ذلك الوقت، حيث أنه كان يُنظر له في انجلترا أن أفكاره مثالية أكثر من اللازم و لا يمكن تطبيقها، درب رينولدز أياكس في 3 فترات متفرقة، وفي فترته الثالثة الذي بدأت في 1945 إلي عام 1947، درب رينولدز اللاعب ” رينوس ميتشيلز” الذي يعتبره الكثيرون هو من وضع أساسيات الكرة الشاملة عندما أصبح مدربا بعد ذلك. كانت من أهم أعمال رينولدز هي وضع نظام لعب واحد لكل المراحل السنيّة في أياكس، يعتمد علي التمرير و التحرك المستمر لخلق مساحات جديدة التي لم تكن موجودة
و الإحتفاظ بالكرة هو أساس هذا النظام، كانت هذه الأفكار حينها أمر يشبه باكتشاف النار للإنسان البدائي، خاصة أن نظام اللعب السائد حينها كان رمي الكرات الطويلة و الصراع عليها فحسب.
أهم مرحلة في تطوير فكرة ” الكرة الشاملة ” كانت مع رينوس ميشيلز عندما أصبح مدربا لأياكس في منتصف الستينات، و قد كان لاعبا تحت المدرب رينولدز في فترته الثالثة كما ذكرنا من قبل، و ذلك جعل منه متشبعا بالمبادئ الأولى للكرة الشاملة، أهم صفة كان يقدسُها ميشيلز في كل لاعب من لاعبيه هي الإنضباط، فقد جعل جميع اللاعبين أكثر احترافية و التزاما بالتدريبات شديدة الحدة، وصف الكاتب الانجليزي جوناثان ويلسون فريق ميشيلز أنه لديه حالة من حالات الألفة بين كل عناصر الفريق، و هذه الألفة تتيح لكل عنصر إدراك أثره المشترك و تفاعله مع الآخر لخلق نظام واحد معقّد، حيث أن كل لاعب يكتسب معني من علاقته بسائر اللاعبين، و أن الازدهار في الكرة الهولندية لم تكن نتيجة لخطة معينة، بل هي كانت نتيجة لانسجام لاعبين أذكياء سويا بسبب لعبهم لفترات طويلة معا، مما جعل كرة القدم عادة بالنسبة لهم.
كانت خطة ميشيلز 4-3-3 هي الخطة الرائدة لأياكس في ذلك الوقت، بلعب هولشولف كلاعب ليبرو، ينضم إلى الوسط في حالات الاستحواذ على الكرة، كما موضح في الصورة أعلاه، لتتحول خطة اللعب إلي 3-4-3.
و في حالة فقدان الكرة، كان يتم تطبيق ضغط شديد الحدة، من كل اللاعبين القريبين لموقع فقدان الكرة، وتطوّر علم التغذية و العلوم الرياضية في ذلك الوقت، حيث أن أهتمت أياكس بنظام ثوريّ – كعادة أمستردام في ذلك الوقت– في التغذية و رفع اللياقة البدنية للاعبين و ذلك ساعدهم في تطبيق الضغط العكسي بشكل جنوني لا مثيل له في ذلك العصر، إلى أن يتم استرجاع الكرة بكل سرعة، أمر شبيه بما كان يفعله ليفربول في فترته الذهبية مع يورجن كلوب، و ذلك بسبب الاعتماد علي ” نيسكينز ” ذو القوة البدنية في الوسط، و بلانكينبيرج في مركز الظهير الحر، و تغطية المدافعين الآخرين مهاجمي الفريق الخصم.
بعد صعود هولشولف للوسط و تحول الخطة إلى 3-4-3، يحدث تبادل دائم بين اللاعبين بشكل رأسي، بحيث يتحول المدافع للاعب وسط، و لاعب الوسط لمهاجم، و يستمر تغير مراكز اللاعبين بشكل دائم طوال المباراة.
يقول ميشيلز في أحد اللقاءات الصحفية عن تعريفه للكرة الشاملة:
“ كنت أترك لاعبي الوسط و الدفاع يهاجموا، ليس هناك صعوبة شديدة في أن تطلب من مدافع أن يهاجم، لكن الصعب بحق هو أن تطلب من زملائه في تغطية المساحة التي تركها المدافع ورائه، كان كل ذلك يحدث بشكل تلقائي و فطري نتيجة للفترة الطويلة التي لعب فيها هؤلاء اللاعبين سويا، الكرة الشاملة هي أن تخلق مساحات و تذهب إليها، و إذا لم تأتِ الكرة، تترك المساحة، و سيأتي لاعب آخر إليها “.
يمكننا أن نلخّص كل ما سبق في مقولة للاعب ” سام أوبيسيانا ” الذي يلعب في فريق ريتشموند كظهير، في مسلسل تيد لاسو الخياليّ لمحاولة شرح ” الكرة الشاملة ” بشكل بسيط لزملائه:
” عندما يقوم صديقك المفضل بتجربة شيء جديد و غريب عليه، بدلا من انتقاده، فإنك تدعمه “
إنتهى .
اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى.