باو كوبارسي.. طفل لاماسيا الجديد

باو كوبارسي.. طفل لاماسيا الجديد

" اللاعبون الشبان يحتاجون حرية التعبير عن أنفسهم ليتطوروا ويصبحوا لاعبين خلاقين، يجب أن يتم تشجيعهم لتجربة مهارات جديدة دون الخوف من الفشل". أرسين فينغر

 

خلال مبارياته القليلة الأخيرة يشعرك باو كوبارسي أنه شاب صغير وناضج كبير في الوقت ذاته، يظهر الانضباط والوعي في مختلف السياقات وتراه يتعلم من نظرائه أصحاب الخبرة وينتبه لإملاءاتهم وتصرفاتهم داخل الملعب لتوظيف قدراته بالشكل الأمثل لخدمة المجموعة.

يمتلك المدافع الاسباني الشاب نقاط قوة ونقاط تحتاج للتطور مع الوقت، الأهم أنه يمتلك الشجاعة للتجربة ومحاولة مساعدة فريقه بأقصى ما يمكنه فعله بما يملكه من مهارات. إذاُ، ما هي الخصائص التي يمتلكها أثناء حيازة الكرة وبدونها حتى أصبح قلب دفاع أساسي في فريق كبير مثل برشلونة؟

نبدأ بأعظم مهاراته، الرؤية :

إحدى أكبر مميزات اللاعب الإسباني الشاب هي التمريرات التقدمية خلال مراحل حيازة اللعب بطرق وأساليب مختلفة مهما تنوعت هياكل وأساليب ضغط وتمركز المنافس، تبين لنا خرائط التمرير التالية كم ونوعية ما يقدمه اللاعب لفريقه في كل مباراة على حدى رغم تنوع المنافسين كما سنرى:

يخلق باو لنفسه المساحة مستغلاً ضغط المنافس للتلاعب بهم، ثم في لحظة مسح للسياق أمامه يقرر إلى أين يجب وكيف ومتى سيمرر. نرى في هذه الحالة باو يغير خيار التمرير تحت الضغط، في البداية كانت النية في الوصول إلى كانسيلو على الطرف كما يعتقد ويبني على ذلك الخصم تحركاته، ولكنه بعد إمالة جسد الخصم نحو الطرف بعد أن كان قد أغلق عليه مسار التمرير إلى نصف المساحة، ذلك المسار سوف يصبح مفتوح الآن.

خداع ظهير الخصم ودفعه للتقدم والضغط على كانسيلو بينما يتحرك رافينيا للخلف قليلاً ليستغل تقدم الظهير ويستغل زيادة المساحة تلك، باو يغير وضعية جسده وكأنه سيعيد الكرة نحو الحارس، نرى بوضوح ارتباك الخصم بعد الخداع.

لحظة التمرير العمودي الغير متوقع المتجاوز لخطي الضغط الأولين نحو نصف المساحة حيث يعتمد ما سيحصل بعدها على جودة التمريرة و وعي المستقبل وقدرته على ترويض الكرة حسب ما يتطلب السياق.

نلاحظ هنا كيف حفزت هذه التمريرة عدة لاعبين من فريق الخصم للخروج من أماكنهم لتضييق المساحة على مستقبل الكرة، تبعاً لهذا سيملك لاعبون آخرون مساحة للاستلام والتقدم مثل كانسيلو وغوندوغان بجسد مفتوح مواجه للملعب مما يسهل العثور على خيارات لتطوير اللعب.

في هذه الحالة نرى باو بخيار تمرير تقدمي معدوم نظرياً، لكن خلف خط الضغط الثاني يمكن رؤية المساحة بين الخطوط ونزول غوندوغان حراً فيها.

باو الشجاع يرى المساحة والزميل ومسار التمرير ويأخذ القرار بتجاوز خطي ضغط نابولي بتمريرة واحدة.

الكرة تصل إلى المكان المراد ولكنها كانت تحتاج إلى دقة أعلى في التمرير من باو وهو شيء يمكن التطور به عندما تكون الرؤية بهذه القوة.

بعد أجزاء من الثانية، الكرة تعود إلى غوندوغان في وجه مباشر للمرمى مع مساحة كبيرة خلف الدفاع يمكن استغلالها بتمريرة واحدة تجاه ليفاندوفسكي مع اضافة خيار رافينها على الجناح الأيسر.

في هذه الحالة نرى باو بدون أي خيارات تمرير واضحة، ولكن بين الخطوط يتواجد غوندوغان، نظرياً لا مسار تمرير مباشر بينهما سوى في الهواء، كيف أوجد باو الحل لهذه الوضعية؟

بذكاء يقرر تحويل ولعب الكرة بقدمه اليسرى التي بتوجيهه الجسدي الحالي يمكنه بها كسر خطوط الخصم على بتمريرة أرضية عمودية يسهل استلامها على غوندوغان.

غوندوغان يستلم ويدور مواجهاً للمرمى مع خيارات تمرير عدة يمكن للفريق من خلالها صناعة فرصة مباشرة على مرمى الخصم، قرار ذكي واحد من كوبارسي نقل الفريق من وضعية معدومة الخيارات إلى تفوق نوعي ومركزي في عمق الملعب أما وسط الخصم ودفاعه.

ليس من السهل أن تجد مدافع مخادع وذكي مدعم للرؤية التقدمية التي يملكها، هنا باو خصمه المباشر هو لاعب الوسط المشار إليه بجانب حكم الساحة، يوهمه أن التمريرة ستكون نحو اللاعب المشار إليه بمسار التمرير عبر توجيه جسده تجاهه.

غايته هي جذبه لذلك المسار لفتح المسار إلى اللاعب الثاني المتواجد خلف الخصم المذكور وتحويل اللاعب الأول إلى الرجل الثالث في المساحة المخلوقة بربط قلبي الدفاع بلاعبين وإرباك مرجعية الخصم المشار إليه.

وهو ما حدث، تدمير نوعي لخطي وسط ودفاع الخصم بديناميكية رائعة بين لاعبي برشلونة، كل هذا لم يكن ليتواجد لولا بداهة باو كوبارسي.

أمام أتليتيكو مدريد ظهرت خطورة الديناميكية العالية بين كوبارسي ومطوري اللعب بين الخطوط وصائدي المساحات خلف خطوط الدفاع، في هذه الحالة يجب فهم كيف تم التلاعب بخطوط الخصم ذو مرجعية الرجل لرجل بشكل متقاطع مع المساحة، أولاً سحب المحاور من قبل روبرتو وغوندوغان لفتح المساحة بين الخطوط لكل من فيليكس وفيرمين و ليفاندوفسكي للعوم فيها بحرية، في بداية الحالة سافيتش كان مراقباً لجواو فيليكس المنتقل من الطرف إلى العمق، فيتسيل مع ليفاندوفسكي ورينيلدو مع فيرمين.

فيرمين يتحرك لتثبيت فيتسيل، ليفاندوفسكي بفهم عالي للسياق يتحرك للخلف تجاه سافيتش لمنعه من الخروج لمراقبة فيليكس، تمت صناعة الرجل الحر الأول الذي سيستقبل التمريرة من كوبارسي.

فيرمين الرجل الثالث الافتراضي ينتقل من فيتسيل إلى رينيلدو لتحفيز فيتسيل للخروج والاستباق على فيليكس، تمريرة حريرية من باو كوبارسي يكسر بها خطي ضغط الخصم الأولين ببراعة.

فيليكس الرجل الأول بالكعب يمرر نحو ليفا الذي سيمرر بلمسة واحدة نحو فيرمين لوبيز الرجل الثالث في المنطلق في المساحة مكان فيتسيل وسافيتش الصاعدين للاستباق لكن التمريرة كانت أطول من اللازم من ليفاندوفسكي.

التمريرات بعيدة المدى:

لا يكتفي باو بالمساهمة في وضع زملاؤه في سياقات تفوق تمكنهم من خلق فرص مباشرة على مرمى الخصم بل يمكن لقدمه الشابة إرسال تمريرات دقيقة طويلة مباشرة خلف خطوط الخصم في وقت يعتقد فيه الجميع عداه أن خيارات التمرير التقدمية معدومة مثل هذه الحالة حيث يساعده مسحه البصري المستمر على رؤية فيرمين لوبيز يطلب الكرة خلف خط دفاع الخصم المتقدم.

تمريرة دقيقة تضع فيرمين في حالة انفراد مباشر مع حارس المرمى ومهمة المدافع تنتهي هنا.

نفس الحالة تتكرر هنا بطلب الكرة من قبل فيرمين عن طريق التواصل البصري مع باو كوبارسي.

توقيت التمرير المناسب لنسق ووضع جسد فيرمين.

تمريرة تضع فيرمين في انفراد مباشر مرة أخرى، لا يمكن إخفاء ذكاء فيرمين أيضاً في قدرته على طلب الكرة خلف الدفاع ومهاجمة المساحة في الأوقات المثالية.

استغلال دقة التمرير الطويل في إخراج الفريق من الضغط العالي:

في هذه الحالة نرى عدم وجود أي خيار تمرير للمدافع سوى حارس المرمى مع جاهزية المهاجم للضغط عليه.

هنا هيكل ضغط نابولي كان يتطلب من الأجنحة الانضمام للعمق بعيداً عن الطرف تبعاً لجهة اللعب لإغلاق العمق بشكل كامل كما يفعل كفاراستخيليا هنا، باو لأكثر من مرة استغل باو هذه الوضعية لإخراج الفريق من الضغط بتمريرة مقوسة نحو المساحة على جنب وخلف كفاراستخيليا.

باو لأكثر من مرة استغل باو هذه الوضعية لإخراج الفريق من الضغط بتمريرة مقوسة نحو المساحة على جنب وخلف كفاراستخيليا.

يستلمها كوندي المتحرر من الرقابة بسبب تمركز لامين يامال أقصى الطرف وتثبيت ظهير الخصم.

في هذه الحالة نرى حالة اثنان ضد واحد على الطرف لصالح كانسيلو و فيليكس، وضعية توجيه جسد باو ستحفز الظهير للخروج على كانسيلو بينما سيقوم باو بعد ذلك بتمرير الكرة نحو فيليكس في المساحة الناتجة عن تحرك الخصم.

الاستباق الدفاعي:

إحدى أهم الخصائص التي يحب على مدافعي فرق النخبة امتلاكها ليتمكن المدرب من إعطاءهم أدوار ونصائح عن الخصم لإجراء عملية الاستباق الدفاعي خلال الضغط العالي أو الدفاع الوقائي، عملية الاستباق لها هدفين إن حقق واحد منهما فهو كاف، الأول تأخير اللاعب المستلم للكرة ومنعه من الدوران وربط اللعب مع زملاءه بجودة عالية، الثاني هو الاستباق بقطع الكرة من الأساس وهو ما يحتاج مزامنة وسرعة عالية لقراءة اللعب.

بعد رمية تماس لعبت و أعيدت الكرة نحو دي لورينزو في هذه الوضعية حيث لا خيار تمرير له سوى إلى الأمام كما فعل، من المهم ملاحظة مباغتة لوبوتكا لفيرمين ومهاجمة المساحة خلفه لاستلام الكرة وقيادة الهجمة بجسد مواجه لملعب الخصم.

الكرة تصل نحو أوسيمين المعروف بقدرته على حماية الكرة وربط اللعب لذا نرى هنا عدوانية باو في محاولة الاستباق، لو لم يحصل على الكرة هنا فإعاقة وتأخير ديناميكية الخصم هو كافي ريثما ساعده الزملاء في إصلاح الوضعية وتضييق الخناق على المساحة المخلوقة والمهاجمة من قبل لوبوتكا.

كما ذكرنا سابقاً، باو لو لم يقطع الكرة فالإعاقة لحركة الخصم ستكون كافية حيث نرى أوسيمين يحاول بصعوبة إيصال الكرة نحو لوبوتكا بالكعب في الوقت الذي أصبح فيه التفوق العددي والمركزي لصالح زملاء باو.

التمريرة خرجت من قدم أوسيمين ضعيفة مما مكن فيرمين وفريقه من وأد هجوم الخصم واستعادة الكرة بسرعة.

في الحالتين التاليتين سنرى عملية الاستباق الدفاعي ضمن الدفاع الوقائي حيث أوكل إلى باو مهاجم ممتاز جداً في استلام وحماية الكرة من فريق مايوركا، الكرة كانت مع كوندي الذي لعب تمريرة خاطئة بالعرض، وضع تشافي مراقبة محطة الخصم على باو ليست إلا ثقة مطلقة بقدرته على تأخيره وتعطيله، الكرة المقطوعة ستتوجه نحو المهاجم المذكور كما هو موضح.

نلاحظ اندفاع باو لمضايقة اللاعب لمعرفته بقدراته العالية على حماية الكرة.

الفريق يساند في عملية الضغط العكسي مما يؤتي ثماره في تأخير اللاعب والهجمة للخصم.

شدة ضغط لامين يامال العكسي أجبرت اللاعب على العودة إلى الخلف لمرحلة عودة الفريق الكتالوني لأماكنه الافتراضية بشكل سريع ومميز.

من جديد تحول هجومي لفريق مايوركا محطته ستكون نفس اللاعب كما سنرى، وهو ما سيبين لنا أهمية الدفاع الوقائي والاستباق.

باو يندفع ليستبق على خصمه.

باو يقطع الكرة برأسه ويمررها إلى فيليكس الذي يجري مسح سريع للمحيط ويسدد كرة خطرة جداً على مرمى الخصم، إذاً هنا انتقلنا من تحول هجومي للخصم إلى تحول هجومي معاكس وفرصة خطيرة للتسجيل نتيجة الالتزام والوعي والكفاءة.

القدرة على اللعب ضمن خط دفاع عالي:

نرى ارتفاع خط الدفاع المتوسط وتقدم الخط كون وضعية جسد حامل الكرة نحو الطرف.

باو المشار إليه يقوم بتعديل وضعية جسده إلى نصف مفتوحة تبعاً لتغيير حامل الكرة لوضعية جسده ورؤيته.

باو بمرجعية آراوخو والخصم أوسيمين يقفز للأمام ليضع المهاجم في وضعية تسلل ويبقي على الخط متناسقاً.

هنا نجد باو يناظر آراوخو و أوسيمين ليتأكد من صحة تمركزه متقدماً كون الخصم في وضعية جسدية تبعاً للكرة لا تسمح له بلعب تمريرة طولية.

مع تعديل حامل الكرة لوضعية جسده كي يمرر، يغير باو كما آراوخو وضعية جسده لكي تلائم سياق اللعب على الرغم من تأكده أن أوسيمين في حالة تسلل.

تعديل وضعية الجسد بتوقيت صحيحة سمحت للمدافع الشاب باللحاق بأوسيمين رغم تأخر إعلان التسلل من قبل الحكم المساعد.

مثال بسيط يبين جرأة اللاعب في إيقاع لاعبي الخصم في مصيدة التسلل، خط الدفاع هنا غير منتظم ولكن وضع موراتا في التسلل بيد باو، يكرر هنا حركة القفز للخلف ويضع المهاجم في التسلل.

هنا حالة توضح التزام اللاعب واعتياده اللعب في خط دفاع عالي جداً حيث يناظر حامل الكرة صاحب فرصة اللعب خلف خط الدفاع، لذا باو يتراجع للخلف.

التمريرة لم تكن خلفه بل لزميل بجسد مغلق لذا يستدير مباشرة للعودة إلى الخط المرتفع تاركاً المهاجم وحيداً خلفه.

الملخص:

باو كوبارسي هو ظاهرة حقيقية بين أبناء جيله من المدافعين، كثير من الفرق الكبرى تبحث و تدفع الملايين لتوقع مع مدافعين أقل مما يملكه، برشلونة و تشافي محظوظين جداً لنضج هذه الموهبة في هذه الفترة تحديداُ من الموسم بسبب الاصابات الحساسة للاعبين دورهم الأساسي هو تطوير اللعب وخلق الفرص، هنا باو جزء من الحل لا أكثر، الحفاظ عليه بعيداً عن ضغط الاعلام ضرورة، وعن ضغط المنتخب الاسباني الأول أيضاُ، لاماسيا ستبقى أكاديمية الفرادة و العبقرية لسنين طويلة مع المواهب التي أخرجتها لنا فقط في آخر أربع سنوات، و للعمر بقية.