في عالم كرة القدم، تتلألأ الأضواء وتركز على مهاجمي الفريق، ولكن هناك شخص آخر يقف بعيداً لا ترصده الأنظار ولا الكاميرات إلا في قليل من حالات اللعب، ولكنه في الحقيقة هو المسؤول عن حماية مرمى فريقه بكل تفانٍ وشجاعة. إنه حارس المرمى، اللاعب الذي يعتبر العمود الأساسي وخط الدفاع الأخير بالفريق. ويتجلى دور حارس المرمى بأهمية لا تضاهى في عالم كرة القدم، فهو الحارس الذي يمتلك تأثيراً كبيراً على مجريات المباراة ونتائجها.
ولكن حينما يتحدث الناس عن النجوم والبطولات، قد يغيب دور حارس المرمى عن الأذهان، ولكنه يظل رمزاً للالتزام والصمود. إنه اللاعب الذي يتحمل ضغوطات هائلة ومسؤوليات كبيرة، فهو الحائط الذي يقف أمام هجمات الخصوم، والعين التي تراقب كل تحرك على أرض الملعب.
وتتجلى أهمية حارس المرمى في قدرته على إحباط محاولات التسجيل للفريق الخصم، وهو اللاعب الذي يمكنه تغيير مجرى المباراة بتصدياته البطولية. إنه ليس فقط حارس المرمى بل هو أيضاً قائد على الملعب، ينظم الدفاع ويوجه زملاءه لتحقيق التوازن بين الهجوم والدفاع.
في هذا المقال لن نتحدث عن أهمية حارس المرمى بالفريق لان الجميع من متابعي ومشاهدي كرة القدم يعلم جيداً دور حارس المرمي وأهميته داخل الفريق، ولكن اليوم جاءنا لكي نستكشف سوياً واحدة من أهم المهارات والأسلحة التي يستخدمها حارس المرمي خلال المباراة للتصدي لكرات الخصم، وهي مهارة لحراس المرمى في كرة القدم وسوف نتناول هذه المهارة من وجهة النظر البيوميكانيكية، وسنلقي الضوء في نهاية المقال عن النقاط الهامة التي يجب مراعاتها عند تنفيذ وتعليم والتدريب علي هذه المهارة المستخلصة من التحليل البيوميكانيكي.
في البداية وقبل الخوض في متن هذا الموضوع يجب أن نذكر حضراتكم بأنه يوجد بعض المعلومات التي يجب فمهمها واداركها والتي تم مناقشتها وعرضها في المقال السابق والذي كان بعنوان التحليل البيوميكانيكي في كرة القدم، لذا وجب التنويه مراجعة هذا المقال وقراءته ثم العودة لاستكمال هذا الموضوع، كما أن هناك بعض المصطلحات الجديدة التي سوف نتطرق لها في هذا المقال ويمكنك الآن الاطلاع والاستفسار من محرر المقال في حال وجهك اي مشكلة أو اية صعوبات خلال قراءة هذا المقال.
دعنا نبدء حتي لا نطيل على حضراتكم .. وقبل ذي بدء اريد تذكير حضراتكم أن هذا المقال يعتبر بمثابة استنباط وتلخيص لدراسة علمية ضمن خطوات الحصول على درجة الدكتوراه تم إجرائها في عام 2016 من قبل محرر المقال فهي لا تعتبر سرد نظري ولكنه تطبيق عملي منهجي يعتمد على آليات البحث العلمي البيوميكانيكي المستخدمة في مجال كرة القدم، لذا سوف نستعرض سوياً إجراءات وتفاصيل هذه الدراسة بشكل مبسط حتى يسهل علي القارئ سواء كان لاعب أو مدرب أو محلل أداء أو ربما حتي شخص مهتم بهذا المجال الاستفادة من نتائج هذه الدراسة.
والآن هيا بنا فسوف اخذكم في رحلة قصيرة نتعرف من خلالها ترتيب احداث هذه القصة .. بداية يجب العلم ان اي فكرة بحثية ما هي إلا مشكلة يحاول الباحث ايجاد حل لها باستخدام منهجية علمية حتى يمكن الاستفادة من نتائجها بالنسبة لمجتمع البحث (مجتمع حراس مرمى كرة القدم) التي أجريت عليه وبالتالي يمكن تعميم النتائج التي يتم التوصل اليها.
وسوف نستعرض ترتيب أحداث هذه الدراسة في صورة خطوات حتى يسهل على القارئ متابعة المقال حتى النهاية بشكل مبسط ومختصر
ولكي يتم التأكد من وجود مشكلة البحث التي تم ملاحظتها في الخطوة السابقة والتأكد من أنها ليست ملاحظة وهمية لا تستند على الدلائل والثوابت العلمية كان لابد من تحليل بطولة كأس العالم ٢٠١٤ للوقوف على إحصائية بعدد الأهداف التي تم احرازها خلال هذه البطولة ومناطق تسجيل هذه الأهداف بالمرمى والمهارة الاكثر استخداماً في الإمساك أو الإبعاد والتصدي لهذه الكرات وكذلك تحديد المنطقة التي تم التسديد منها في هذه الحالات.. وأظهرت نتائج هذا التحليل أن أغلبية الأهداف المسجلة بالبطولة كانت كرات عالية بنسبة (44%) من اجمالي عدد أهداف البطولة.
وبعد ما تم عرضه من نتائج تبين بالفعل وجود مشكلة قائمة لدي معظم حراس المرمى في التصدي الكرات العالية ومن ثم البحث عن ايجاد حل لهذه المشكلة في صورة توصيف لهذه المشكلة وذلك باستخدام التحليل البيوميكانيكي ثلاثي الابعاد لمهارة الإرتماء لحراس المرمى في كرة القدم بحيث يسهل دراستها وفهمها بشكل أكثر تعمق للاستفادة منها في تقليل عدد الأهداف التي يستقبلها الفريق بواسطة حارس المرمى.
التحليل ثلاثي الابعاد هو عبارة عن رصد وتتبع حركة حارس المرمى من ثلاثة ابعاد x, y, z مثلا عندما نقوم بتصوير الحارس من المستوى الجانبى والامامى بكاميرتين او اكثر خلال تنفيذ مهارة الإرتماء – وذلك يختلف عن التحليل ثنائي الأبعاد هو عبارة عن رصد وتتبع حركة حارس المرمى من بعدين x, y مثلا عندما نقوم بتصوير الحارس باستخدام كاميرا تصوير واحدة من المستوى الأمامي فقط خلال تنفيذ مهارة الإرتماء، وسوف نتناول هذه الموضوعات بنوع من التفصيل في المقالات القادمة بإذن الله.
(1) المرحلة التمهيدية (من لحظة الإستعداد إلى لحظة التخميد):
1. إتخاذ وقفة الإستعداد المناسبة.
2. إتخاذ خطوة في إتجاه الإرتماء بالقدم القريبة من الكرة.
(2) المرحلة الرئيسية (من لحظة كسر الإتصال إلى لحظة مسك أو إبعاد الكرة):
1. الوثب نحو الكرة.
2. توجيه الذراع والرجل المعاكسة في إتجاه الإرتماء.
3. مد الذراعين واليدين نحو الكرة.
4. إستقبال الكرة بأطراف الأصابع وراحة اليد.
(3) المرحلة الختامية (من نهاية لحظة مسك أو إبعاد الكرة إلى لحظة الهبوط):
1. الهبوط على الأرض.
2. إتصال الكرة بالأرض أولاً ثم الساعد والكتف والفخذ، وأخيراً الرجلين.
3. إستعادة الوقوف وتوزيع الكرة
كما أنه خلال هذه الخطوة تم توصيف مهارة الإرتماء من الناحية الميكانيكية خلال اللحظات الزمنية المختارة للتحليل.
كما تم توصيف مهارة الإرتماء من الناحية التشريحية خلال اللحظات الزمنية المختارة للتحليل، وذلك بهدف تحديد أهم العضلات العاملة خلال أداء مهارة الإرتماء لحراس المرمى في كرة القدم ومن ثم اختيار التدريبات النوعية التي تساهم في تحسين أداء هذه المهارة.
– لحظة نهاية الخطوة (التخميد):
هي تلك اللحظة التي يصل فيها حارس المرمى إلى أقصى تخميد بالرجل القريبة من الكرة (رجل الإرتكاز)، وتعتبر نهاية المرحلة التمهيدية.
– لحظة الإرتقاء (كسر الإتصال):
هي تلك اللحظة التي يترك فيها حارس المرمى الأرض، حيث يستند على أمشاط الرجل القريبة من الكرة (رجل الإرتكاز)، وتعتبر بداية المرحلة الرئيسية.
– لحظة الإتصال بالكرة:
هي تلك اللحظة التي تصطدم فيها يد حارس المرمى بالكرة سواء كان لإمساكها أو لإبعادها عن المرمى، وتعتبر نهاية المرحلة الرئيسية.
وخلال هذه الخطوة تم اجراء دراسة استطلاعية بغرض التعرف علي المعوقات التي قد تواجه تنفيذ الدراسة الأساسية، ولكي يتم تبسيط الامر على حضراتكم يمكننا اعتبار الدراسة الاستطلاعية بمثابة تجربة قبل الشروع في التنفيذ النهائي بغرض ترشيد النفقات والتعرف على الادوات المطلوبة بدقة وكذلك بعض التفاصيل الاخرى كموعد التصوير المناسب وبعد الكاميرا عن المرمى وغيرها من الامور الهامة التي قد تؤثر على النتائج التي يتم التوصل اليها، وخلال هذه الأثناء ظهرت مشكلة مهمة جداً وقد تؤثر على التنفيذ بشكل كبير ألا وهي كيفية تثبيت سرعة وقوة الكرة مع التوجيه في الزاوية المحددة من المرمى ، حيث يمكنك أن تتخيل ما إذا قام المدرب أو أحد اللاعبين بالتصويب على الحارس بسرعة وقوة عالية وفي محاولة أخرى تم تقليل سرعة وقوة التصويبة فإن ذلك بالتأكد سيؤثر على درجة فاعلية امساك أو ابعاد الكرة والتصدي لها، لذا فإنه بعد البحث والتنقيب تمكن الباحث من إيجاد طريقة لحل هذه المشكلة عن طريق استخدام جهاز قاذف الكرات JUGS للتصويب على المرمى وهو عبارة عن جهاز يستخدم في التصويب على المرمى بسرعة وقوة ثابتة مع إمكانية تحديد زاوية الإنطلاق الخاصة بالكرة بدقة عالية، وذلك من أجل تثبيت المتغيرات الخاصة بالكرة سواء كانت سرعة أو مسافة، ومن ثم تمكنا من إلغاء تدخل العامل البشري الذي قد يؤثر على نتائج هذه الدراسة.
أولاً: تم تحديد المؤشرات البيوميكانيكية الأكثر إرتباطا بمهارة الإرتماء لحراس المرمى في كرة القدم خلال اللحظات الزمنية المختارة (لحظة نهاية الخطوة، لحظة كسر الإتصال، لحظة الإتصال بالكرة).
ثانياً: الخطوة الأخيرة قبل الإرتماء يجب أن تكون طويلة جهة الإرتماء وبزاوية (45°) للأمام، وذلك لزيادة المدى الحركي للرجل الحرة (الرجل البعيدة من الكرة)، كما أن هذا الوضع يجعل الحارس أقرب من الكرة ويزيد من سرعته وبالتالي يصل إلى الكرة قبل وصولها إلي المرمى وفي أقل زمن ممكن.
ثالثاً: مرجحة الرجل الحرة للخلف (الرجل البعيدة من الكرة) خلال لحظتي الإرتقاء (كسر الإتصال) والإتصال بالكرة تساعد بشكل كبير في نجاح الوثبة، بالإضافة أنها توفر قدر كبير من الإتزان لحارس المرمى أثناء ترك الأرض والطيران في الهواء.
رابعاً: معظم محاولات حراس المرمى للتصدي للكرات العالية خلال أداء مهارة الإرتماء تمت عن طريق إبعاد الكرة عن المرمى أكثر من مسكها والسيطرة عليها.
خامساً: استخدام الذراع المعاكس (الذراع البعيدة من الكرة) في إبعاد الكرة عن المرمى كان أكثر فاعلية من إبعادها باليد القريبة من الكرة (جانب الإرتماء).
سادساً: تم التوصل إلى بعض المعادلات للتنبؤ بمستوى الأداء الفني لمهارة الإرتماء لحراس المرمى في كرة القدم بمعلومية المؤشرات البيوميكانيكية المؤثرة في الأداء، والتي ساهمت في تصميم التدريبات النوعية الخاصة بالمهارة.
اتمني في نهاية هذا المقال ان أكون قد وفقت في تبسيط الموضوع بشكل يسهل عليك عزيزي القارئ فهمه والاستفادة منه وفي نفس الوقت اتمنى ان هذا الاختزال لا يقلل من قيمة هذه الدراسة العلمية والتي استطعنا من خلالها تحويل الملاحظة البصرية الى صورة رقمية ومعالجة هذه البيانات احصائياً ومن ثم تحويل هذه البيانات المستخرجة من عملية التحليل البيوميكانيكي مرة اخرى وتوصيفها في صورة كيفية عن طريق عرض نتائج واستخلاصات كي يستفيد منها العاملين في هذا المجال سواء كان لاعب أو مدرب أو حتى محلل أداء من اجل تحسين وتطوير مهارة الارتماء في كرة القدم حيث انه كما اوضحنا سلفاً بأنها الملاذ الآمن لحارس المرمى للتصدي لكرات الخصم والحفاظ على مرمى فريقه.
إنتهى .
اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى.