النجيل الصناعي والطبيعي في كرة القدم
أيهما أفضل ؟
ملاعب كرة القدم تتنوع بين النجيل الصناعي والنجيل الطبيعي، وكل نوع يأتي مع ميزاته وعيوبه. الملاعب الصناعية مستدامة وقوية وتتحمل الاستخدام المكثف، بينما الملاعب الطبيعية تقدم مناظر جمالية وشعورًا طبيعيًا، لكنها تحتاج إلى صيانة مستمرة واستهلاك مياه كبير. واختيار النوع يعتمد على احتياجات الفرق والأولويات المحددة فضلاً عن شروط المسابقة، لكن كرة القدم تظل متعة على جميع الملاعب.
والآن سوف نتناول هذا الموضوع لتوضيح الاختلاف بين نوعي ملاعب كرة القدم من الناحية البيوميكانيكية، وقبل البدء اريد تذكير حضراتكم أن هذا المقال يعتبر بمثابة استنباط وتلخيص لدراسة علمية ضمن خطوات الحصول على درجة الماجستير تم إجرائها في عام 2013 من قبل محرر المقال فهي لا تعتبر سرد نظري ولكنه تطبيق عملي منهجي يعتمد على آليات البحث العلمي البيوميكانيكي المستخدمة في مجال كرة القدم، لذا سوف نستعرض سوياً إجراءات وتفاصيل هذه الدراسة بشكل مبسط حتى يسهل على القارئ سواء كان لاعب أو مدرب أو محلل أداء أو ربما حتى شخص مهتم بهذا المجال الاستفادة من نتائج هذه الدراسة.
وسوف نستعرض ترتيب أحداث هذه الدراسة في صورة خطوات حتى يسهل علي القارئ متابعة المقال حتى النهاية بشكل مبسط ومختصر
- الخطوة الأولى تمت صياغة وتحديد المشكلة والتي تمثلت في حداثة ملاعب النجيل الصناعي في ذلك الوقت وانتشارها مع وجود تساؤل ألا وهو هل هي الأفضل في الأداء والاستخدام أم ملاعب النجيل الطبيعي ؟ بالاضافة الي قلة الابحاث التي تناولت هذه المشكلة البحثية من الناحية البيوميكانيكية، الأمر الذي دعى الباحث لعمل دراسة استطلاعية من خلال المقابلة الشخصية للجهاز الفني والطبي ولاعبي الفريق الأول لكرة القدم بنادي الإنتاج الحربي أحد الفرق المشاركة بالدوري المصري الممتاز بكرة القدم وبصفته النادي الوحيد في جمهورية مصر العربية الذي يمتلك استاد دولي نجيل صناعي تقام عليه مباريات رسمية ومباريات الدوري العام المصري، وأسفرت النتائج إلى أنه توجد اختلافات واضحة تؤثر على الأداء المهاري للاعبين حيث يتطلب ملعب النجيل الصناعي مجهود بدني عالي مقارنة بالنجيل الطبيعي، كما أنه يوجد إختلاف في سرعة وإرتداد الكرة على أرضية ملعب النجيل الصناعي الأمر الذي يؤثر على ديناميكية اللعب ويؤدي في النهاية إلى حدوث العديد من الإصابات على ملاعب النجيل الصناعي.
- الخطوة الثانية يتم فهم اكثر للمشكلة التي تم تحديدها سلفاً من خلال عمل المسح المرجعي للبدء من حيث انتهى الآخرون الذين سبق لهم تناول مثل هذه المشكلة بغرض الاستفادة من نتائج هذه الدراسات في ايجاد الاختلاف في اداء اللاعبين على ملعب النجيل الصناعي والطبيعي بهدف تحسين وتطوير الأداء، ومن هذا المنطلق وبعد القراءات النظرية للعديد من المراجع والدراسات العربية والاجنبية والذي بلغ عددها الإجمالي عدد (15) دراسة، منها عدد (7) دراسة عربية، وعدد (8) دراسة أجنبية وبناء عليه تم تحديد الأدوات والاختبارات البيوميكانيكية المستخدمة لايجاد الفروق بين نوعي ملعبي كرة القدم ؛ حيث تم استخدام أسلــوب التصوير بالفيديو ، لذا تعد هذه الدراسة من أوائل الدراسات التي استخدمت التحليل الحركى البيوميكانيكى للمهارات الحركية المركبة على أرضية النجيل الطبيعي والصناعي فى كرة القدم، كما أنه خلال هذه الخطوة تم تحديد الاختبارات البيوميكانيكية (دحرجة – ارتداد الكرة)، بالاضافة الى تحديد أكثر المهارات الحركية المركبة استخداماً وشيوعاً وتأثيراً لدى لاعبي كرة القدم، والتى تتناسب مع طبيعة البحث؛ تم تحديدها بعد الإطلاع على المراجع العلمية المتخصصة (الكتب، الرسائل، الدوريات العلمية، الدراسات السابقة، الشبكة العالمية للمعلومات) التى تناولت المهارات الحركية المركبة فى كرة القدم، وإتفقت نتائج المسح المرجعى على أن أكثر المهارات الحركية المركبة استخداماً وتأثيراً لدى لاعبي كرة القدم هي:
- الإستلام بباطن القدم والتمرير.
- الإستلام بباطن القدم والتصويب.
ولكي يتم التأكد من وجود مشكلة البحث التي تم ملاحظتها في الخطوة السابقة والتأكد من أنها ليست ملاحظة وهمية لا تستند على الدلائل والثوابت العلمية كان لابد من اجراء مجموعة من الدراسات الاستطلاعية بغرض التعرف على المعوقات التي قد تواجه تنفيذ الدراسة الأساسية، حيث تم اجراء الدراسة الاستطلاعية الأولى بهدف التعرف على الفروق بين ملعب النجيل الصناعي والطبيعي بإستخدام عدة اختبارات بيوميكانيكية وهي (إختبار إرتداد الكرة - إختبار دحرجة الكرة)، وتم التوصل من خلال هذه الاختبارات البيوميكانيكية وجود اختلاف ملحوظ بين ارضية النجيل الصناعي والطبيعي لصالح النجيل الطبيعي، كما تم اجراء دراسة استطلاعية ثانية بهدف التعرف على الفروق بين ملعب النجيل الصناعي والطبيعي في الأداءات المهارية المركبة المختارة والتي أظهرت فروق لصالح النجيل الطبيعي.
وخلال هذه الأثناء ظهرت مشكلة مهمة جداً وقد تؤثر علي التنفيذ بشكل كبير ألا وهي كيفية تثبيت سرعة وقوة الكرة أثناء التمرير للاعب المؤدي للمهارة سواء في حالة (الاستلام والتمرير) أو (الاستلام والتصويب) ⁉️، حيث يمكنك أن تتخيل ما إذا قام المدرب أو أحد اللاعبين بالتمرير على اللاعب المؤدي للمهارة بسرعة وقوة عالية وفي محاولة أخرى تم تقليل سرعة وقوة التمرير فإن ذلك بالتأكد سيؤثر علي استلام اللاعب للكرة وبالتالي سيؤثر علي الأداء، لذا فإنه بعد البحث والتنقيب تمكن الباحث من إيجاد طريقة لحل هذه المشكلة عن طريق استخدام جهاز تمرير الكرات الخشبي وهو عبارة عن جهاز خشبي يستخدم في التمرير للزميل بسرعة وقوة ثابتة، وذلك من أجل تثبيت المتغيرات الخاصة بالكرة سواء كانت سرعة أو قوة، ومن ثم تمكنا من إلغاء تدخل العامل البشري الذي قد يؤثر على نتائج هذه الدراسة.
- الخطوة الثالثة وبناء على التوصيف الفني والبيوميكانيكي للمهارات الحركية المركبة المختارة في كرة القدم، تم تحديد اللحظات الزمنية التي ستخضع للتحليل البيوميكانيكي، وهي كما يلي:
- لحظة الاتصال بالكرة خلال الاستلام بباطن القدم والتمرير.
- لحظة الاتصال بالكرة خلال الاستلام بباطن القدم والتصويب.
- الخطوة الرابعة الآن جاء دور التجربة الأساسية باستخدام التحليل البيوميكانيكي كأداة موضوعية تساهم في إيجاد حلول علمية لهذه المشكلة والتي تتطلب تطبيق إجراءات التحليل البيوميكانيكي اعتماداً على اختيار عينة ممثلة عن لاعبي كرة القدم حتي يتسنى لنا إخضاعهم لعملية التصوير والتحليل البيوميكانيكي، حيث تم اختيار عدد (3) لاعبين مواليد (1993م)، لأداء المهارات الحركية المركبة المختارة وتم الاعتماد على عدد (1) كاميرا عالية السرعة بسرعة تردد (250) كادر في الثانية الواحدة، بالاضافة الى تصوير الاختبارات البيوميكانيكية لايجاد الفروق بين كلا ملعبي كرة القدم (النجيل الصناعي – النجيل الطبيعي).
- الخطوة الخامسة الآن وبعد تحديد والتأكد من سلامة الأجهزة والأدوات اللازمة لإجراء عملية التصوير تم تجهيز لاعبي كرة القدم لعملية التصوير من خلال وضع علامات عاكسة على مفاصل الجسم حتى يسهل ايجاد المتغيرات البيوميكانيكية كالسرعة والازاحة والعجلة وغيرها من المتغيرات البيوميكانيكية للاجزاء المختلفة من الجسم ، وكذلك تجهيز مكان التصوير من خلال تحديد مجال الحركة (منطقة 18)، حيث تم وضع الكاميرا على يمين اللاعب المؤدي وعلى إرتفاع (1) متر ، كما تم وضع جهاز تمرير الكرات على يسار وأمام اللاعب المؤدي، بحيث تصل الكرة إلى اللاعب المؤدي في شكل يحاكي مواقف اللعب الفعلية خلال المباراة.
- الخطوة السادسة بعد التأكد من وضع كل شئ في مكانه المناسب تم السماح لكل لاعب بأداء (3) محاولات على ملعب النجيل الصناعي ، و (3) محاولات اخرى علي ملعب النجيل الطبيعي لكل أداء حركي مركب يتخللها فترة راحة بين كل محاولة والاخرى ثم إخضاعهم للتحليل لاحقاً، حيث قام اللاعبين بعد عملية الإحماء الوقوف مواجه المرمى والاستعداد لأداء الأداءات الحركية المركبة باستخدام جهاز تمرير الكرات الخشبي، كما تم اجراء الاختبارات البيوميكانيكية على ملعبي كرة القدم النجيل الصناعي والطبيعي وذلك بغرض ايجاد الفروق بين سطحي ارضية ملعب النجيل الصناعي والطبيعي.
- الخطوة السابعة بعد الانتهاء من عملية التصوير وحفظ المحاولات الناجحة وحذف المحاولات الفاشلة تم نقل ملفات الفيديو من الكاميرا على جهاز الكمبيوتر المثبت عليه برنامج (Simi Motion) للتحليل البيوميكانيكي، تم تحليل اللحظات الزمنية المختارة للاداءات الحركية المركبة لكل محاولة صحيحة واستخراج المتغيرات البيوميكانيكية لمعالجتها احصائياً للتواصل الى نتائج واستخلاصات يمكن صياغتها في صورة نقاط كما يلي:
- وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين بعض المتغيرات البيوميكانيكية للمهارات المركبة على كل من أرضية ملعب (النجيل الصناعي- النجيل الطبيعي) ولصالح النجيل الطبيعي.
- وجود فروق ذات دلالة إحصائياً بين قيم إختبارات قيد الدراسة (الإرتداد العمودي للكرة - دحرجة الكرة) على كل من أرضية ملعب (النجيل الصناعي- النجيل الطبيعي) ولصالح النجيل الطبيعي.
الخلاصة:
اتمنى في نهاية هذا المقال أن أكون قد وفقت في تبسيط الموضوع بشكل يسهل عليك عزيزي القارئ فهمه والاستفادة منه وفي نفس الوقت اتمنى أن هذا الاختزال لا يقلل من قيمة هذه الدراسة العلمية والتي استطاعنا من خلالها تحويل الملاحظة البصرية الى صورة رقمية ومعالجة هذه البيانات احصائياً ومن ثم تحويل هذه البيانات المستخرجة من عملية التحليل البيوميكانيكي مرة اخرى وتوصيفها في صورة كيفية عن طريق عرض نتائج واستخلاصات كي يستفيد منها العاملين في هذا المجال سواء كان لاعب أو مدرب أو حتى محلل أداء من اجل ايجاد الفروق بين الاداء المهاري على ملعب النجيل الطبيعي والصناعي في كرة القدم، حيث انه جاء بعد ذلك قرار الفيفا بمنع وحظر اللعب على ملاعب النجيل الصناعي الا اذا كان يتوافق مع معايير الاتحاد الدولي لكرة القدم وذلك في ضوء تعديلات قانون الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 2016 نتيجة الاضرار الجسيمة التي تعرض لها اللاعبين أثناء ممارسة اللعب على ارضية النجيل الصناعي فضلاً عن الاصابات العديدة نتيجة استخدام هذه الاسطح الصناعية، وبذلك تأتي هذه الدراسة كداعم لقرارات الاتحاد الدولي لكرة القدم والتي أكدت أفضلية أرضيات النجيل الطبيعي مقارنة بالنجيل الصناعي في كرة القدم.