الكاتب : لؤي ممدوح
تعد مهنة كشاف اللاعبين من أهم المهن المرتبطة بالألعاب الرياضية الجماعية بشكل عام وبكرة القدم بشكل خاص، فلا يستغرب إطلاقا أن يكون قد طرأ عليها تدريجيا – شأنها شأن كل الجوانب المرتبطة باللعبة – الكثير من التطوير بل والتعقيد فيما يتعلق بالأسس التنظيمية والهياكل الوظيفية وكل ما تم استحداثه من الأدوات التقنية التي تعظم قيمة المنتج النهائي التي نشأت لأجله؛ ألا وهو استقدام أفضل – أو بشكل أدق أنسب – اللاعبين قدر المستطاع لفريق ما.
لذا فقد كان منطقيا أن يبدأ انتشار هذه المهنة في دولنا العربية مع ازدياد شعبية كرة القدم فيها في النصف الأول من القرن العشرين، وكعادة كل شيء مستحدث فهو يبدأ بأبسط الإمكانيات وأقل التعقيدات وبصورة أبعد ما تكون عن الإحترافية التي نعرفها في زمننا هذا، ثم…ثم يظل كما بدأ أو على أقصى تقدير يخطو خطوات بطيئة ومتأخرة بالمقارنة بما أنجزه من أصبحت لهم الريادة الحالية على عرش كرة القدم.
ففي الوقت التي كانت فيه مهنة كشاف اللاعبين مهنة وليدة؛ كان مقبولا أن يكون عمودها الفقري عبارة عن الكشافين المتطوعين بشكل فردي، أو معلمي التربية الرياضية بالمدارس، بل وكان من التفرد لبعض الأندية الكبرى أن توكل بعض إداريي فرقها باستكشاف المواهب الشابة ومحاولة استقدامها كمهمة إضافية.
أما في وقتنا الحالي، وعلى الرغم من بعض الجهود المعتبرة والمقدرة لبعض الأندية العربية التي بدأت فقط مؤخرا في إنشاء أقسام مختصة بالأعمال الكشفية، ناهيك عن بعض الشركات الخاصة التي تضطلع بكشف المواهب وتسويقها لمختلف الأندية بشكل مؤسسي واحترافي، إلا أنها تعتبر كاستثناءات قليلة ضمن القاعدة العريضة، التي مازالت تنتهج المضمون القديم، حتى وإن اختلف الشكل والمسميات.
ففي الأغلب ما زلنا نرى نموذج الكشاف المتطوع الذي يستطيع استغلال معارفه الشخصية بأصحاب القرار الفني أو الإداري في بعض الأندية ، ولكن تحت مسمى صاحب أكاديمية – وما أكثرهم – بل وامتلأت الساحة بسماسرة ووكلاء اللاعبين في خلط تام بين مهام هؤلاء وأدوار الكشافين، فأصبح ما نراه كمنتج نهائي لا يحتاج إلى الوصف أو الشرح، ولا عجب.
أما وقد تعرفنا على حال هذا المجال الهام في أغلب الدول العربية، فلنتطرق إلى ما حدث ومازال يحدث في أندية الدول الرائدة في كرة القدم الحديثة، ولنأخذ مثالا هاما قد تفوق على نظرائه من كبرى الأندية الأوروبية رغم الفوارق المادية – على الأقل – والتي لا تصب بالتأكيد في صالح الأول:
نادي برايتون هوف ألبيون الإنجليزي
سبع سنوات هو الفارق الزمني بين استحواذ رجل الأعمال طوني بلوم على نادي برايتون هوف ألبيون وبين عودة الفريق الأول للدوري الإنجليزي الممتاز بعد غياب أربعة وثلاثين عاما، ولا شك أن عمل كبير قد تم إنجازه طيلة هذه الفترة، ولكننا بصدد استعراض الثورة التي قام بها النادي اعتمادا على موارده المالية المتوسطة – بالمقارنة بكبار إنجلترا – ليتحول في خلال خمسة مواسم من فريق يحتل مكانا دائما في الربع الأخير من جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز إلى فريق يضمن مكانا في الدوري الأوروبي، بل ويستطيع مقارعة كبار المسابقة سواء على مستوى النتائج أو فلسفة اللعب.
لا شك أن السواد الأعظم من الأندية التي تنتهج الشكل المؤسسي الاحترافي لقسم الكشافة أصبحت تعتمد اعتمادا كبيرا على علم البيانات في السنوات الأخيرة، وهو العلم الذي كانت للولايات المتحدة الأمريكية الريادة في استخدامه التطبيقي لاستكشاف واستقدام المواهب، خاصة في رياضتي كرة القدم الأمريكية وكرة السلة.
أما التطور الذي أدخلته إدارة نادي برايتون هوف ألبيون على كرة القدم الإنجليزية في هذا الصدد فهو ينقسم إلى عدة محاور تبدأ بالإعتماد على علم البيانات بحيث يكون له الأولوية على مراقبة المواهب سواء بالفيديو أو بالعين المجردة، فالشائع حتى وقت قريب – أو حتى وقتنا الحالي – هو أن علم البيانات هو عامل مساعد في استكشاف اللاعبين واستقدامهم، أو قد يكون على ذات الأهمية من الجوانب الأخرى السابق ذكرها.
البداية كانت بالإعتماد على شركة Starlizard المملوكة أيضا لبلوم والمختصة بإنشاء قواعد بيانات كبرى للاعبين في تطوير أداة تقنية مثلت ومازالت حجر الأساس لعمل قسم الكشافة بالنادي.
نظرية عمل هذه الخوارزمية التي لا يعلم تفاصيلها أي شخص في النادي باستثناء الموظفين المضطلعين بهذا الأمر في شركة Starlizard تستخدم في تصفية اللاعبين إلى عدد أقل بشكل ملحوظ – بالمقارنة بمثيلاتها المستخدمة في الأندية الأخرى – وبالتالي تسهل كثيرا عمل الكشافة اللاحق سواء عن طريق الفيديو أو مراقبة اللاعب من الملعب أثناء مباريات فريقه.
فالمميز في الخوارزمية التي تقوم على أساسها تلك الأداة أن لديها القدرة على التنبؤ بمدى ملائمة اللاعبين لفلسفة اللعب التي ينتهجها الفريق، ليس هذا فحسب بل ويمكنها تحديد إذا كان اللاعب ملائما للاستقدام بالفعل في الوقت الحالي أم سيكون مفيدا للفريق في المستقبل، وبعد كم من الوقت سيحدث ذلك بالتقريب، وهو ما قد ساهم في استقدام النادي لكثير من لاعبيه بأسعار زهيدة قبل فترة توهجهم وبدون منافسة تذكر، وبالتالي تحقيق أسبقية على كبار الأندية التي غالبا ما تتحرك إداراتها للتفاوض على شراء عقود اللاعبين بعد تألقهم لفترة كافية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، لك أن تتخيل أن مجموع المبالغ المدفوعة لاستقدام أليكسيس ماك أليستر ومويزيس كايسيدو وكارو ميتوما تبلغ حوالي خمسة عشر مليون جنيها استرلينيا، وهو الأمر الذي حقق ومازال للنادي أرباحا طائلة، دون المبالغة في الخوف من فقدان الفريق لمستواه الحالي ببيع بعض لاعبيه، ذلك لأن السياسة المستخدمة تتيح هامشا مقبولا من الثقة في قدرة النادي على تعويض الراحلين بآخرين لا يقلون عنهم موهبة ولا ملائمة لفلسفة لعب الفريق.
واستكمالا للحديث عن مميزات هذه الأداة – وإن كانت ميزة غير مباشرة – هو أن تسهيل عمل قسم الكشافة بتصفية عدد أقل من اللاعبين المرشحين للمراقبة الدقيقة ثم الإستقدام قد ساعد على إعادة تقسيم الفريق القائم بالأعمال الكشفية على أساس مراكز اللاعبين وليس على أساس النطاق الجغرافي، وهو الأمر المتبع عادة.
وبالرغم من أن هذا التقسيم مستخدم منذ سنوات عديدة في الولايات المتحدة الأمريكية وفي نفس الألعاب الرياضية السابق ذكرها (كرة القدم الأمريكية وكرة السلة)، إلا أن استخدام إدارة نادي برايتون هوف ألبيون له قد حقق نجاحا ملحوظا.
ويرجع هذا النجاح أيضا إلى ما يسمح به ذلك التقسيم من زيادة مقدار التخصص والخبرة الناتجة عن القيام بمهام استكشاف لاعبي مركز واحد فقط؛ وهو ما دفع أندية مثل نوريتش سيتي وبيرنلي على إتباع نفس السياسة، بل وأيضا بدأت أندية مانشستر يونايتد وتشيلسي في الإعداد التدريجي لإستحداث هذا النظام الجديد.
على جانب آخر، فمن المهم أن نذكر أن الخوارزمية المستخدمة في استكشاف واستقدام لاعبي نادي برايتون هوف ألبيون، لا تضمن بالتأكيد نجاح جميع الصفقات، فعلى سبيل المثال، فهناك تجارب لم تحظ بالقدر المأمول من التألق مثل الإيراني علي رضا جهانبخش والهولندي يورجن لوكاديا؛ وهو أمر طبيعي ومقبول بسبب تعدد وتنوع العوامل المساهمة في نجاح اللاعب في التأقلم على بيئة جديدة بالنسبة له
فالتقييم المنصف لسياسة النادي تلك تتحدد بمدى نجاح الغالبية العظمى من اللاعبين المستقدمين في إحداث التأثير الإيجابي على مسيرة ونتائج الفريق، وهو ما ظهر جليا للعيان.
في النهاية، وها قد تعرفنا على الفوارق الكبرى بين عمل الكشافة الإحترافي في دولنا العربية وبين من سبقونا بعديد الخطوات، أطرح عليك – أخي القارئ – سؤالا لتتمعن التفكير في إجابته:
هل نرى في المستقبل القريب – إن كان من نادي برايتون هوف ألبيون أو غيره من الأندية – أسلوبا مماثلا لاستقدام أنسب المدربين ؟ أم أن الفريق المكنى بطيور النورس قد استخدم هذه التقنية فعلا لتعيين جراهام بوتر ثم روبرتو دي زيربي على رأس القيادة الفنية للفريق الأول.
إنتهى .
اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى.