مذنب أم غير مذنب ؟؟
كان سقوط مانشستر يونايتد في قلب ملعب الأليانز أرينا – وإن كان متوقعا – بمثابة استمرار لسلسة من النتائج السلبية التي يتعرض لها الشياطين الحمر منذ بداية الموسم، والتي تعكس الوضع العصيب للفريق سواء على المستوى الفني أو المعنوي.
نتيجة مباراة الأربعاء التي تعد ثالث هزائم اليونايتد على التوالي بعد السقوط بثلاثة أهداف مقابل هدف على التوالي أمام أرسنال ثم برايتون، لا سيما مع عدم ظهور الفريق بالشكل اللائق على مستوى الأداء قد فتحت الباب أمام تسرب حالة الشك لنفوس جماهير الفريق الإنجليزي عن مدى مسئولية الهولندي إريك تين هاج عن وصول الفريق لهذه الوضعية الصعبة.
ولست هنا – أخي القارئ – بصدد تبرئة ساحة المدير الفني للفريق بشكل عام، فالرجل الممسك بزمام الأمور الخاصة بأي مجموعة عمل – على اختلاف مجالات الحياة – هو أول من يجب عليه التصدي للمشاكل والوقوف في وجه التحديات، مهما كانت أسبابها خارجة عن إرادته أو تحكمه.
ولربما يتفق البعض على إبداء الإمتعاض من إصرار تين هاج على الدفع ببعض العناصر التي تعاني من قصور بشكل عام في بعض جوانب اللعبة أو حتى انخفاض مؤقت في المستوى بشكل أساسي، أو حتى تأخره في التدخل لعلاج الأزمة بالدفع ببعض العناصر البديلة؛ بينما يلتمس له البعض الآخر الأعذار سواء بسب غياب عديد العناصر الأساسية أو حتى بسبب حالة عدم الاستقرار المحيطة بكواليس الفريق بداية من الأطقم المساعدة للهولندي ووصولا إلى عائلة الجليزرز المالكة للنادي.
أما عن الجانب التكتيكي، فلا شك في حصوله على نصيب معتبر من حالة الجدل التي تشغل جماهير اليونايتد، وهو الأمر الذي يستهدف هذا المقال كالعادة تسليط الضوء عليه؛ فما مدى نجاح تين هاج – أو فشله – على مستوى التكتيكات الجماعية في التفوق على بايرن ميونيخ أو حتى مجاراته في مختلف مراحل المباراة وما نصيب التكتيكات الفردية للاعبين من المسئولية عن الهزيمة الأخيرة ؟
بدأ الفريقان المباراة على الورق بالرسم التكتيكي نفسه (4-2-3-1)، البايرن بتغيير وحيد عن التشكيلة التي واجهت ليفركوزن في المباراة السابقة بالبدء بجمال موسيالا على حساب توماس مولر، أما تين هاج فقد عاد إلى رسمه المعتاد بعد الاعتماد على (4-1-2-1-2) أمام برايتون وبدخول الجناح الأيمن بيليستري على حساب سكوت مكتوميناي.
اعتمد مانشستر يونايتد على نمطين رئيسيين في مرحلة بناء اللعب وأمام شكل متماثل للضغط العالي لبايرن ميونيخ أثناء بداية هذه المحاولات على الأقل، وكان تين هاج ناجحا في كسر ضغط منافسه خلال أغلب تلك الحالات.
النمط الأول والذي اتخذ شكلا أقرب إلى (3-1-6) في مواجهة ضغط البايرن العالي برسم (4-1-3-2) كان قائما على فكرة توسيع قلبي الدفاع ليندلوف ومارتينيز مع نزول إريكسن لإشغال كل من موسيالا وهاري كين وجوريتزكا وتوفير الوقت والمساحة لأونانا على الكرة لإرسال الكرة الطولية للخط الأمامي ومحاولة تحقيق مواقف كثافة عددية جهة وصول الكرة للفوز بالكرة الأولى أو محاولة اصطياد الكرة الثانية والقيام بتحولات هجومية تبدأ من منتصف ملعب المنافس، الأمر الذي من المفترض أن يعطي الأفضلية لليونايتد لعدة أسباب:
اعتماد البايرن خلال هذه المرحلة على الضغط الموجه رجل لرجل مع غياب الزيادة العددية على مستوى الخط الخلفي – تمركز أجنحة أصحاب الأرض بشكل متوسط بين قلوب دفاع وأظهرة اليونايتد لمواجهة محاولات البناء بالتمرير القصير نحو العمق – دخول أجنحة اليونايتد لأنصاف المساحات لإشغال أظهرة البايرن وإتاحة الفرصة للأظهرة التي تقوم بتوسيع رقعة الملعب للإنطلاق للأمام.
أما النمط الثاني فكان معتمدا على البناء عبر التمرير القصير بالأخص إلى أطراف الملعب حيث تتواجد أظهرة يونايتد وهنا يتحول ضغط البايرن إلى رسم أقرب ل (4-3-1-2) حيث يقوم أحد مهاجمي البايرن بتوجيه الضغط ومنع التمرير للجهة المقابلة (هنا هاري كين) ويقوم الآخر (موسيالا) بالضغط على قلب الدفاع جهة الكرة (ليندلوف)، أما الجناح البعيد فيقوم بعزل الظهير المقابل ليتوجه لرقابة لاعب المحور عكس جهة اللعب ( هنا ساني مع ايركسن) مع استخدام الجناح جهة الكرة تمرير الكرة لظهير اليونايتد المقابل كمحفز للضغط عليه (جنابري مع دالوت).
ومع توفر الزيادة العددية للاعبي الخط الخلفي لأصحاب الأرض وتضييق رقعة اللعب على أطراف الملعب كان من الصعب على اليونايتد البناء بنجاح اعتمادا على هذا النمط، لكن تين هاج لم يقف مكتوف الأيدي أمام تلك المعضلة فكان الحل في توجه دالوت أحيانا لعمق الملعب كظهير مقلوب للإستلام خلف جنابري أو نزول برونو في حالات أخرى لخلق موقف 2 ضد 1 مع دالوت ضد جنابري.
كان تين هاج أيضا ناجحا في مراحل التدرج اعتمادا على رسم (3-4-3) في مواجهة الضغط المتوسط للبايرن برسم (4-4-2) وذلك بتغيير تركيبة الوسط بصعود إيركسن بجانب برونو لشغل كل من كيميتش وجوريتزكا، بينما ينزل إريكسن بين قلبي الدفاع لخلق موقف 3 ضد 2 في مواجهة هاري كين وموسيالا وتوسيع مساحة الضغط المطلوبة من الأخيرين.
وبتدوير الكرة بين ثلاثي اليونايتد يصبح لأحد قلبي الدفاع (هنا مارتينيز) الوقت والمساحة على الكرة قبل وصول مهاجم المنافس (هاري كين) فيضطر الجناح المقابل (ساني) للضغط عليه تاركا ظهير اليونايتد القريب يتقدم لخلق موقف 2 ضد 1 مع الجناح ضد ظهير البايرن (ريجيليون مع راشفورد ضد لايمر) وبالتالي يتم كسر الضغط المتوسط لأصحاب الأرض.
انتقالا الى المرحلة الأخيرة من مراحل حيازة اليونايتد للكرة كان الفريق قادرا ايضا على كسر التكتل المنخفض للبايرن على الرغم من قلة عدد تلك الحالات بشكل نسبي؛ ففي أغلب هذه الحالات التي كانت تبدأ بنهاية فكرة التدرج الناجح التي تم تفصيلها أعلاه، فثنائية راشفورد- ريجيلون كانت قادرة على تهديد دفاعات أصحاب الأرض بتمركز أحد اللاعبين في أنصاف المساحات بين كل من لايمر وأوباميكانو والآخر على أقصى طرف الملعب، كما أن اقتراب هويلاند من جهة الكرة كان كفيلا بتأخير ترحيل أوباميكانو لمساندة زميليه.
وباستخدام جمل تمريرات الحائط أو (1-2) بين راشفورد وريجيلون كان اليونايتد قادرا على الإختراق وارسال عرضيات من شأنها أن تكون عالية الخطورة بالقرب من منطقة الست ياردات لولا أن جانبها الدقة.
كعادة تين هاج في مرحلة الضغط العالي، فالإعتماد على منع بناء الخصم للهجمة باتجاه العمق وتوجيه اللعب لأحد طرفي الملعب مع الإحتفاظ بالزيادة العددية في الخط الخلفي تعتبر مبادئ لا يتم الحياد عنها إلا في حالات الطوارئ.
ففي حالات بناء بايرن ميونيخ اعتمادا على الجهة اليسرى، كان اليونايتد قادرا على خنق منافسه في أغلب الحالات عن طريق ضغط هويلاند وبيليستري على كل من كيم مين جاي وألفونسو ديفيز ورقابة رجل لرجل لعناصر عمق الملعب.
المشكلة تظهر بشكل واضح عند بناء البايرن باتجاه الجهة اليمنى، بسبب أن راشفورد يكون أحيانا مجبرا – على الرغم من تباطؤه في أحيان أخرى – على الترحيل بشكل متأخر بين أوباميكانو ولايمر انتظارا لوصول هويلاند للضغط على الأول.
هنا يكون هاري كين متمركزا في نصف المساحة استعدادا للنزول وسحب ليساندرو مارتينيز وبالتالي يتم خلق المساحة لتحركات ساني بين ريجيلون وليندلوف، مع ملاحظة عدم قدرة كاسيميرو على المساندة لتغطية هذه الفراغ نظرا لقيام موسيالا بعزله على مسافة عرضية كبيرة من جهة الكرة لا تساعد البرازيلي على الترحيل لملء الفراغ حتى مع تحويل جهة اللعب.
الفكرة في نجاح بايرن ميونيخ في عملية البناء من هذه الجهة تكمن في سحب عناصر خط دفاع اليونايتد باتجاه كين بينما على الجهة المقابلة فنزول موسيالا يسحب أحد عناصر خط الوسط، كاسيميرو.
أما عن مرحلة الضغط المتوسط فلعلك – أخي القارئ – تلاحظ تشابه نمط الفريقين والإعتماد على نفس أفكار مرحلة الضغط العالي بشكل كبير.
تظهر كبرى مشكلات اليونايتد بالأخص في هذه المباراة خلال هذه المرحلة من اللعب، ورغم ذلك فالأمر لا يتعلق بالتكتيكات الجماعية للفريق أو قدرة المنافس على خلق وضعيات تفوق مستمر واستغلال أي من أوجه القصور أو الثغرات المتعلقة بالناحية الخططية، بل أن معظم حالات تفوق بايرن ميونيخ تعتبر نتيجة مباشرة للتكتيكات الفردية للاعبين والتي كانت تتلخص في حالتين متكررتين:
أولى تلك الحالات هي المتعلقة بتمركز الثنائي إيريكسن وكاسيميرو الخاطئ والمتكرر في أغلب مباريات الفريق السابقة والمؤدي لعدم قدرتهما على حماية حدود منطقة جزاء الفريق، ناهيك عن عجزهما عن ملاحقة لاعبي المنافس المنطلقين من الثلث الأوسط للملعب حتى حدود صندوق اليونايتد بل وبداخله، وهو أمر واضح للعيان بكل تأكيد.
أما الحالة الثانية فتتلخص في حالة السكون أو بطء الإيقاع التي عابت عناصر الخط الخلفي للفريق، فالمعروف أن خط الدفاع ينبغي أن يكون فيه حالة حركة دائمة وفقا لوضعية الكرة، لمواكبة متطلبات الترحيل والتغطية مع الحرص على تضييق المساحات بين عناصر ذلك الخط بالأخص في المساحة المواجهة للمرمى، وهو أمر لا يتم تطبيقه بالتأكيد خلال الحالات المبينة أدناه على سبيل المثال لا الحصر.
أخيرا وبعد استعراض مختلف مراحل اللعب خلال مواجهة بايرن ميونيخ ضد مانشستر يونايتد وبيانها بالتحليل المفصل، أترك لك أخي القارئ الحكم والتفاعل مع فريق الموقع بخصوص نصيب تين هاج من المسئولية عن الوضع المزري للفريق مع تكرار التأكيد على كونها موجودة بالفعل.
إنتهى .
اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى.