أن تأتي متأخرا
في مباراة عصيبة على ملعب السان جيمس بارك عانى خلالها ليفربول من تأخر ونقص عددي مبكرين، استطاع الضيوف العودة في النتيجة وقلب الطاولة في آخر الدقائق بهدفين للبديل الأوروجوياني داروين نونيز، ليفشل الماجبايز في حصد أي نقاط للمباراة الثانية على التوالي.
وكعادة المقالات التي تتناول تحليل المباريات من الجانب التكتيكي، فالهدف هو تسليط الضوء على أهم مراحل اللعب التي توضح أفضلية طرف على حساب الآخر، أو من ناحية أخرى تكشف بعض نقاط الضعف والقصور للأخير.
أما بالحديث عن قمة الجولة الثالثة للدوري الإنجليزي الممتاز ونتيجة لتعرض فان دايك للإقصاء المبكر نسبيا، فكان ضروريا أن يتم تقسيم كل مراحل اللعب محل التحليل إلى ما قبل الطرد وما بعده، وذلك نظرا للإختلاف الواضح لأنماط الفريقين آنذاك.
بدأ الفريقان المباراة بالرسم التكتيكي نفسه (4-3-3)، حيث قام يورجن كلوب ببعض التعديلات مقارنة بالتشكيل الأساسي لمباراة الفريق السابقة أمام بورنموث؛ حيث دفع بالكاميروني جويل ماتيب كقلب دفاع على حساب إبراهيما كوناتيه الغائب بسبب إصابة عضلية، كما قام بإدخار ورقة المهاجم الوهمي ديوجو جوتا على دكة البدلاء لحساب كودي جاكبو الذي شارك في سابق المباريات كمحور وسط أيسر، المركز الذي قام بشغله أليكسيس ماك أليستر والذي تقدم بدوره من مركز لاعب الإرتكاز الأوحد لحساب الوافد الياباني الجديد واتارو إندو في مستهل مشاركاته الأساسية مع النادي الأحمر، أما إيدي هاو فقام بالدفع بنفس عناصر التشكيلة الأساسية للمباراة الثالثة على التوالي.
خلال الدقائق السابقة للإقصاء المباشر لفان دايك، لم يكن لليفربول نمط متكرر بوضوح خلال مرحلة البناء، وإنما بدا الفريق مجبرا على محاولة التعامل بأفضل ما يمكن للخروج من الضغط العالي لنيوكاسل.
ولكن بشكل عام، اعتمد ليفربول على رسم (4-2-4) في هذه المرحلة مقابل (5-2-3) لمنافسه: يقوم إيزاك بتطبيق الضغط على أليسون – الذي غالبا ما تبدأ من خلاله عملية بناء الهجمة – ويحاول الأول توجيه البناء إلى أحد أطراف الملعب من خلال الضغط على قلب الدفاع حامل الكرة (فان دايك)، مستخدما تقنيات الركض المقوس ورقابة الظل لمنع إعادة تدوير الكرة للجهة المقابلة، بينما يتمركز الجناح عكس جهة اللعب (جوردون) بين قلب الدفاع والظهير المقابلين (ماتيب وأرنولد) ليقوم بالضغط على الأول حال استلامه للكرة أو يتراجع ليراقب الآخر عند تقدمه للأمام في حالة تقدم ليفربول للكرة من الجهة اليسرى.
بالإضافة لذلك يتكفل كل من برونو جيماريش وجويلينتون بمنع خيارات التمرير والتقدم بالكرة من خلال عمق الملعب برقابة رجل لرجل ضد سوبوزلاي وإندو على الترتيب، بينما يتمركز جناح نيوكاسل جهة الكرة (ألميرون) بشكل يسمح له بمنع تقدم فان دايك بحمل الكرة للأمام، كما يستخدام أحد محفزات الضغط: التمرير للظهير جهة الكرة (روبرتسون) ليبدأ في الركض نحوه، ويلاحظ تراجع تونالي كمدافع إضافي لرقابة ماك أليستر المتقدم للخط الأمامي لفريقه لضمان تحقيق الزيادة العددية لأصحاب الأرض على مستوى الخط الخلفي.
وبالتالي فإجبار حامل الكرة على التمرير لأطراف الملعب يسبب خنق ظهير وجناح ليفربول جهة الكرة في مساحة محدودة بين مطرقة لاعبي نيوكاسل المقابلين لهما وسندان خط التماس فيسهل على أصحاب الأرض استعادة الكرة
ومع تلقي فان دايك البطاقة الحمراء، كان كلوب مجبرا على سحب أحد لاعبي الخط الأمامي: لويس دياز واستبداله بجو جوميز الذي شارك كقلب دفاع أيسر محل زميله المطرود، بالإضافة إلى تحول محمد صلاح إلى مركز المهاجم واتجاه كل من جاكبو وسوبوزلشغل مركزي الجناحين.
تنوع وقتها أسلوب بناء ليفربول بين النمط المماثل لما قبل حالة الطرد، وهو ما نتج عنه استمرار القصور نفسه معززا بالتفوق العددي للمنافس وبين نمط آخر – على الرغم من ندرة تطبيقه وهنا يكمن السؤال الإستنكاري – كان فيه الحل لمشكلة تلك المرحلة سواء ما قبل إقصاء قائد الفريق الهولندي أو حتى ما بعده، ألا وهو استخدام أليسون كقلب دفاع أيمن في تلك المرحلة من اللعب.
وباستمرار نيوكاسل على الإعتماد على نفس نمط الضغط العالي السابق مع تعديل طفيف بإعطاء لاعب وسط ميدانهم المتحرر من عملية رقابة محاور ليفربول (هنا جويلينتون) مهمة التحرك لمساندة أو تغطية زملاءه جهة الكرة، تسببت مشاركة أليسون بشكل مباشر خلال هذه المرحلة في تحقق معضلة الإختيار المعتادة بالنسبة لجوردون: الضغط على اليسون أم البقاء لرقابة ماتيب الذي تحول بدوره آنذاك لشغل محل الظهير الأيمن، هنا يقررجوردون الضغط على أليسون فيصبح ماتيب حرا لاستلام الكرة مع توفر الوقت والمساحة الكافية قبل اندفاع جويلينتون – الأقرب لأرنولد – نحوه، ومع نزول سوبوزلاي متجها لنصف المساحة للتمويه وسحب بيرن، يقوم أرنولد بمهاجمة المساحة الخالية ليستلم الكرة في موقف 3 ضد 3 في نمط شبيه بالتحولات الإصطناعية
من الجدير بالذكر – ورغم انعدام رابط السبب والأثر– أن أغلب الحالات ذات النمط الواضح من هذه المرحلة لم تحدث إلا بعد تعرض ليفربول للنقص العددي، فبالاعتماد غالبا على رسم (2-3-4) في مقابل (4-5-1) بالنسبة لأصحاب الأرض كانت الفكرة العامة هي محاولة الحفاظ على الاستحواذ لوقت كاف نسبيا لاستدعاء ضغط المنافس مع تطبيق التحميل الزائد جهة الكرة بهدف إيجاد اللاعب الحر بين الخطوط.
ورغم غياب الدقة في اللمسات الأخيرة أمام مرمى نيوكاسل، ولكن استطاع الحمرتنفيذ ذلك النمط بنجاح لسبب هام؛ ألا وهو أن ذلك اللاعب الحر كان ينزل متأخرا من أمام خط من خطوط الخصم متجها للخط الذي يليه – كما سيتضح لاحقا – بينما يقوم زملاءه بالتمركز بشكل يصعب على المنافس الأقرب إليه بملاحقته.
فمثلا في الحالة أدناه يقوم إندو بتهدئة إيقاع اللعب لاستدعاء ضغط الخصم الذي حدث فعلا بخروج كل من برونو جيمارايش وألميرون وتسبب في اختلال تماسك خط الضغط الأوسط، مع وجود التحميل الزائد جهة الكرة من خلال روبرتسون وماك أليستر الذي قام بتغيير تمركزه بالتبادل مع جاكبو، بالإضافة إلى الأخير الذي قام فعلا بالنزول بين الخطوط بينما يتمركز صلاح وسوبوزلاي بشكل يثبت قلبي دفاع نيوكاسل ويمنعهما من الترحيل لملاحقة جاكبو، ولعلك تلاحظ – أخي القارئ – تحقق معضلة الإختيار مرة أخرى بالنسبة لتريبييه: ملاحقة جاكبو أم الضغط على ماك أليستر.
هنا يتقدم جاكبو مرة أخرى ليسحب تونالي للخلف بينما تستمر حيرة تريبييه ويتفكك خط الضغط الأوسط لنيوكاسل تماما ويقوم حينها ماك أليستر بالنزول لاستلام الكرة في المساحة الخالية التي كان يتكفل بتغطيتها كل من ألميرون وتونالي في الوضع الطبيعي، لاحظ هنا أيضا جويلنتون يبدأ متأخرا في إدراك ما يحدث ليحاول التحرك لمنع الأرجنتيني من التقدم نحو المرمى خصوصا مع وجود خيارات تمرير متاحة لكل من صلاح وجاكبو
هنا تظهر إحدى أهم نقاط قوة بطل العالم، ألا وهي التحكم في إيقاع اللعب، حين يقرر الاحتفاظ بالكرة حتى يبدأ جويلينتون بالترحيل ليصبح مسار التمريرة لصلاح متاحا مجددا
هنا تتكرر نفس الفكرة بشكل أقل تعقيدا، فاستدعاء الضغط مع التحميل الزائد ساهم في سحب لاعبي خط الضغط الأوسط لنيوكاسل وأظهر مساحة كبيرة أمام الخط الخلفي للفريق، استطاع استغلالها سوبوزلاي بالنزول واستلام الكرة، مع إتاحة مسار التمرير بسبب تدوير الكرة بين الرباعي المتمركز على الجهة اليسرى.
ولا شك في أن أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في قدرة ليفربول على كسر التكتل المنخفض لمنافسه هي غياب الإستباقية لدى مدافعي الماجبايز، فتلاحظ هنا غياب ملاحقة بيرن لسوبوزلاي رغم تمتع فريقه بأفضلية 4 ضد 2، ولم تكن تلك هي الحالة الوحيدة التي يتكرر فيها مثل هذا الأمر.
قبل إقصاء فان دايك، وفي مواجهة بناء نيوكاسل برسم أقرب إلى (4-2-4) يبدأ ليفربول بتطبيق الضغط العالي السلبي باتباع رسم (4-1-4-1) فيقوم جاكبو بالضغط المباشر على قلب دفاع المنافس حامل الكرة فيضطر الأخير لتمريرها لأقرب خيار تمرير حر، وهو غالبا قلب الدفاع المقابل وهنا يبدأ ليفربول في تفعيل الضغط الإيجابي الموجه رجل لرجل إلى حد المخاطرة بغياب التفوق العددي لعناصر الخط الخلفي كما في الصورة أدناه، وباعتبار التمريرة بين قلبي دفاع نيوكاسل بمثابة محفز للضغط.
وبهذا النمط كان ليفربول ناجحا إلى حد ما في خنق عناصر بناء الهجمة لمنافسه، الذي لجأ للاعب الارتكاز برونو جيمارايش لمحاولة الخروج من ضغط الريدز، هنا يتوقف نجاح بناء نيوكاسل على أسبقية البرازيلي ولو بأجزاء من الثانية في استلام الكرة قبل وصول رقيبه سوبوزلاي مع نزول أحد عناصر الخط الأمامي – وهو غالبا إيزاك – خصوصا مع وجود مخاطرة كبيرة من تقدم أحد قلبي دفاع ليفربول للضغط عليه إن تأخر في ذلك للحظة واحدة.
أما في هذه الحالة مثلا، فالعكس صحيح، فقدرة سوبوزلاي على اللحاق بجيماريش جعلت من عملية البناء الناجح لنيوكاسل أمرا مستحيلا، لاحظ أيضا قراءة ماتيب للعبة من البداية وخروجه للضغط على إيزاك
أما بعد تعرض ليفربول للنقص العددي، أصبح اتجاه الفريق لتطبيق الضغط العالي نادرا لحساب التقهقر لمراحل الضغط المتوسط ثم التكتل المنخفض من بداية محاولات الماجبايز للتقدم بالكرة، وإن كان جدير أن نذكر التضحيات البدنية الكبيرة لإندو قبل استبداله لمحاولة الضغط على جيمارايش ثم ملاحقة جويلينتون عند نزوله للاستلام.
قد تلاحظ – أخي القارئ – من خلال الحالات التالية تشابه نمط الضغط المتوسط الرئيسي لليفربول والعكس صحيح بالنسبة لتدرج نيوكاسل بالمقارنة بالمرحلة السابقة، ربما الإختلاف الوحيد هو توفر المساحة والوقت الكافيين لقلبي دفاع نيوكاسل من أجل إرسال الكرات الطولية للأطراف و محاولة خلق وضعيات 2 ضد 1 أو 1 ضد 1 خصوصا ضد أرنولد اعتمادا على وضعية جوردون وجويلينتون وقت إرسال التمريرة، ولعل حل تلك المشكلة التي لم يتم تطبيقه في اغلب الحالات كان يكمن في بقاء إندو أمام عناصر الخط الخلفي لتحقيق التفوق العددي خصوصا مع اعتماد نيوكاسل على الكرات المباشرة وتوفر مساحات كبيرة نسبيا بين الخط الخلفي وخط الضغط الأوسط
لا شك أن دقائق المباراة السابقة لتعرض ليفربول للنقص العددي قد حملت بعض الحالات النادرة لهذه المرحلة التي كان التفوق في أغلبها لأصحاب الأرض بسبب قصور في التمركز أو المساندة من قبل بعض لاعبي ليفربول مثل سوبوزلاي وصلاح وليس بفضل تفوق تكتيكي لإيدي هاو على حساب كلوب، أما أغلب الحالات ذات النمط الثابت فحدثت بعد إقصاء فان دايك، وهنا كان تسليط الضوء على بعضها ضروريا لسبب هام، ألا وهو تفوق ليفربول وعجز منافسه عن خلق فرص تهديد حقيقي بشكل مستمر.
ويرجع تفوق ليفربول في هذه المرحلة لمحاولة التكتل بشكل متماسك ومتقارب مع كل التركيز على إغلاق مناطق العمق المركزية للملعب، وهو ما أجبر نيوكاسل على التوجه للأطراف، وحتى مع حدوث التفوق العددي لعناصر الخط الأمامي للأخير على عناصر الخط الخلفي لمنافسه بشكل عام، كان ليفربول قادرا على تطبيق مبدأ الترحيل والعزل كلما تم تحويل جهة اللعب من طرف إلى آخر وبالتالي تحقيق زيادة عددية في منطقة الكرة، كما يتضح في الصور أدناه
في النهاية ربما تفوق نيوكاسل على منافسه من الناحية التكتيكية في أغلب مراحل المباراة إلا أن أبناء كلوب استطاعوا الاستفادة من تماسكهم بالأخص في مرحلة التكتل المنخفض بل ولم يكونوا ليفوتوا استغلال عنصري التوفيق وهفوات عناصر الخط الخلقي للماجبايز من أجل قلب الطاولة في اللحظات الأخيرة وخطف النقاط الكاملة للمواجهة.
إنتهى .
اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على معلومات التحديث والأخبار والرؤى.